بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله المتفرد بالبقاء، الكاتب على أهل هذه الدار الفناء، أحمده سبحانه على حلو القضاء ومره، وأشكره على ما أنفذ من أمره، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه سبحانه، إن أخذ فقد أبقى الكثير، وإن منع فقد أعطى الجزيل..
وأصلي وأسلم على حبيبنا خير من اُبتُلي بفقدان معظم ثمرات فؤاده فصبر، صلوات ربي وسلامه عليه إلى يوم الدين.
لقد أعطاني ربي عز وجل الكثير من الخير والبركات، ومن ذلك أن وهب لي ذرية -جعلها الله طيبة مباركة- علَّمتُهم (وتعلَّموا منِّي) كواجب شرعي -عند أي أسرة مسلمة-، نتعلم من الحياة فنصيب ونخطئ ونذنب ونستغفر بما فينا ابننا عبدالملك -غفر الله له ورحمه- وهي طبيعة البشر فلسنا بملائكة معصومين من الذنب والخطيئة.
ومن مسلَّمات الحياة في جميع المجتمعات أن الوالدين مربين وأساتذة لأبنائهم وبناتهم، فهم بيوت خبرة مشفقة لأولادهم -حسب أنماط بيئتهم- لكن أن يكون الابن أو البنت أستاذاً لأبيه أو لأمه في بعض الأمور فهذا ما لا يعرفه أو يدركه تمام الإدراك الكثير من الآباء والأمهات، وفي هذا المقام كتبت بعضاً من الذكريات العاطفية عن ابني فأقول وبالله التوفيق:
لقد ((علمني ابني)) # عبدالملك _السلومي رحمه الله(1) أو تعلمت منه.. أشياء كثيرة ومعاني حميدة.
علَّمني بعد وفاته معنى الإيمان بالقضاء والقدر في السراء والضراء، لا سيما بالشقِّ الثاني (الضراء)، فقد تعلمت أكثر وأكثر أن لا راد لقضائه وقدره، تعلّمت معاني ومشاعر إضافية، فعندما يُقبض ولدي وأفقد ثمرة فؤادي يجب أن أتذكر(الحمد والاسترجاع) ليعيش معي ثناء ربي وأعيش معه، لقد تعلّمت -عملياً- في هذا الحدث حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي، فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده، فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد”(2).حقاً إن هذا هو العوض الحقيقي، وتلك هي مكرمة التعويض من رب العالمين، فحمداً لله على قضائه وقدره.
******************
علَّمني – رحمه الله – المعنى الحقيقي -العملي- لاحتساب المفقود والشكر للموجود حينما عشتُ الحزن بالفقدان، وفهمت لماذا تكرر كثيراً في القرآن نفي الحزن عن أهل الجنة وأن انتفائه من أساسيات نعيمها، كما أدركتُ -عملياً- معنى قول الله تعالى عن فقدان يعقوب لابنه يوسف: “وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ” (84- يوسف)، ومما أيقنت به بعد وفاته أن الابتلاء درجات ومستويات، فالابتلاء من الله يتضاعف على ذوي الميت حينما يكون بموت الفجأة، ثم إن الابتلاء يزداد حينما يكون الفقدان متعلقاً بالابن حيث هو ثمرة الفؤاد، ويتضاعف الابتلاء كثيراً حينما يكون هذا الابن بارَّاً بوالديه وقرة عين لهما، ثم يَعظُم الابتلاء حينما يكون الابن من سواعد والديه يُعدَّانه علمياً وتربوياً ليكون معهما في رسالة الحياة التي اختطاها لنفسيهما، فتكون حرارة الفقدان لثمرة الفؤاد بالفؤاد ليست كغيرها، وكأن ابن الرومي يصف حالنا مع ابننا عبدالملك حينما قال:
على حينِ رُمْتُ الخيرَ من لَمحاتِه وآنســـتُ مــــــن أفعاله آيةَ الرُّشدِ
طواهُ الرَّدى عنِّي فأضحَى مزارُه بعيداً على قُربٍ قريباً على بُعدِ
وأدركت دوافع العالم شمس الدين محمد بن عبدالله الدمشقي الشافعي تأليف كتابه (برد الأكباد عند فقد الأولاد)(3)، لكن هذا الحدث بمضاعفاته علَّمني أن الصبر حقاً لا يتحقق إلا بالمصابرة والتصبر، وأن عزَّائي في فقدانه يكون بإيماني بأنه سبقنا إلى رب غفور رحيم، ومما عزَّاني ما قرأته لأبي مسلم الخولاني (ت 62ه) رحمه الله في قوله: “لأن يولد لي مولود يحسن الله عز وجل نباته، حتى إذا استوى على شبابه، وكان أعجب ما يكون إليَّ قبضه مني، أحبَّ إليَّ من أن يكون لي الدنيا وما فيها”(4). وعلى قدر قيمة المفقود (الولد) والتي لا تُقاس بثمن يكون الجزاء والثواب من الله (فعِظَمُ الجزاء من عِظَمِ البلاء)، وعلمني هذا الفقدان لابني معنى قول أبي مسلم الخولاني (حتى إذا استوى على شبابه) وأن ما صحب هذا الولد من جهد وجهاد وتعليم وتربية في مراحله العمرية لا يضيع عند الله مع الاحتساب حيث أكرمني به وبغيره، فله الحمد والشكر عدد ما حمده الحامدون وأثنى عليه الشاكرون.
ومما عزَّاني فيه أن موته كشف لي حجم محبته عند غيري من أقربائه وذويه وأصدقائه ومحبيه، حتى شاطرني في فقدانه والحزن عليه المئات بل الآلاف من أولئك، وما رأيته من الآخرين خير شاهد على ذلك، -فحمداً لله وشكراً له-.
و((علَّمني ابني)).. بعد وفاته التي كانت بحادث مروري(4)، حقيقة النفس البشرية وضعفها وأن الموت أقرب إلى الإنسان من شِراك نعله، ومصادر تقوية هذه النفس الضعيفة، حيث القلب البشري يحزن والعين تدمع، ولكن القرآن يجبر المصاب والسنة النبوية تدفعه إلى تجاوز المحن والمصائب، فحمداً لله على دين لا يتجاهل الفطرة البشرية ولكن يُوجِّهها إلى ما به تسكن القلوب وتطمئن الجوارح “الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ” (البقرة- 156، 157).
******************
كما تعلَّمت من ابني بعد وفاته.. أنه بكسبه الأعداد الكبيرة من الأصدقاء والأحباب والإخوة والأصحاب لم يكن نتاج نسب أو منصب أو جاه أو مال وإنما كان نتاج خلقه الحسن وتبسمه في وجوه الناس وحسن تعامله واستيعابه لكل الأطياف المتعددة في المجتمع وكرمه مع الجميع كما هو خُلُقَه، فلقد كان يرتاد جميع المجالس، ويحاور ويناقش الجميع لإيصال ما كان يؤمن به دون تنازلات عن مبادئه وقِيَمه، كما عُرف عنه وشهد له بذلك معظم زملائه من المشيعين والمعزين، والمتصلين فيما بعد ذلك على والديه وذويه. فأدركت أكثر وعرفت معاني أعظم لعبادة حسن الخلق، وأن حسن الخلق يبني من العلاقة مع الله ومع عباده كما تبني العبادات الخاصة مع النفس ومعبودها، فتذكرت بيقين راسخ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقـًا”(5).
((علَّمني ابني)).. أن البِّر أكبر من تلبية طلبات الوالدين، بل بتلمس احتياجاتهم وما يرضيهم، فعلمني كغيره من إخوته – بحمد الله- بأنه لا يدخل على والديه من سفر قريب أو بعيد إلا وأحضر معه ما يؤنس به أباه وأمه وإخوته من هدايا عينيه تُدخل البهجة عليهم مطبقا المنهج النبوي (تهادوا تحابوا)، إضافة إلى أمور معنوية وأخبار تهم أباه فتُدخل السرور عليه (بشرِّوا ولا تنفِّروا)(6)– فاللهم كما آنَسَنا في الدنيا فآنس وحشته واجبر غربته-.
و((علَّمني ابني)).. قائلاً لي: يا أبتِ لقد استطعت أن أنتصر على شُحِّ نفسي حينما اخترت لها صورة أخرى من صور العطاء، فلا أفاصل عامل صيانة لسيارتي أو بيتي في أجرته محتسباً ما طلبه مني بأن كل ما زاد عن حقه صدقة عليه دون إشعاره بذلك، ووجدت ذلك راحة في نفسي وبركة في رزقي -اللهم تقبل ذلك منه-.
******************
((علَّمني ابني)).. عملياً أن الجدية الدائمة في أعمالي العلمية مُضْعِفة لصحتي ومُقَلِّلة من إنتاجيتي، حيث كان ينتزعني انتزاعاً من مكتبي وما فيه من بحوث ودراسات ومقالات ومسؤوليات إلى بعض أصدقائي وأحبابه في الاستراحات والرحلات، وكان يقنعني بذكر أسماء بأعيانهم يفوقونني فضلاً وعلماً وعملاً وقد وضعوا لأنفسهم من الترويح والاستراحات ما يتقوَّون به على حياتهم الجادة، وكنت أشكر له هذا الصنيع وأدعو له بقدر ما أشعر بذلك من راحة واستراحة محارب من بين الكتب والملفات، وقد ذكَّرني عمليا بصنيعه هذا ما ورد من أثر (ولكن ساعة وساعة)(7) لأقنع نفسي بقبولي لقوله المتكرر لي: أنت (Serious man) يعني رجلٌ جادٌّ، والجدية في كل شؤون الحياة قاتلة لك ولغيرك.
و((علَّمني ابني)).. حينما ذكَّرني بالقيمة الحقيقية للإنسان في حالات التعريف بشخصي، عندما أشار عليَّ أكثر من مرة بأنه ينبغي عليَّ عند التعريف بشخصي بالمطبوعات أو البرامج الإعلامية أن اقتصر في التعريف بباحث في شؤون القطاع الخيري أو التطوعي أو الثالث، فهو خير من كل منصب اعتباري قائلاً: العلم والبحث وسام يبقى وغيره يزول، والاستقواء بالعلم خير من غيره.
******************
((علَّمني ابني)).. حينما قمت بزيارته في مدينة (يورك) البريطانية في السنة الأولى من بعثته الدراسية أشياء كثيرة لكن ذاكرتي احتفظت بما استوقفني حينما مررنا بجوار كنيسة يورك وقال لي: إن بلدية المدينة تمنع منعاً باتَّاً أي بناء أو مباني تعلو على تلك الكنيسة في أرجاء المدينة وكان لا يتجاوز ارتفاعها أربعة أدوار أو خمسة، فأدركت تقديس المقدس رغم علمانية الدولة التي تفصل بين الدين والحياة، وعلمني ابني بعض صنوف المعرفة حينما زرته قبيل انتهاء دراسته للماجستير في مدينة (نورج) البريطانية بجامعته التي يدرس فيها (إيست انجيلياEast Anglia) وأخذني إلى مكتبة الجامعة، وشرح لي عن بعض الوسائل المعرفية الحديثة في المكتبة، فأدركت الفارق العلمي الكبير في تطور العلم والمعرفة والفوارق فيها بيننا وبين الغرب – مع الأسف-، كما أدركت الفارق المعرفي الكبير بشكل واضح بين فترة دراستي السابقة في بريطانيا (1409ه – 1415ه) ودراسة ابني عبدالملك (1431ه- 1433ه)، فانعكس ما علَّمني إياه ابني على مكتسباتي العلمية والمعرفية وثرائها-لا حرمه ربي أجر ما صنع-.
******************
((علَّمني ابني)).. أن استيعاب مفهوم القطاع الثالث وتطبيقاته الإدارية العملية ليس سهلاً بالقراءة النظرية فقط، وذلك حينما قال لي أثناء دراسته في بريطانيا: ” حقاً لم أفهم كتابك يا أبي (القطاع الثالث والفرص السانحة -رؤية مستقبلية-)(8) بشكل كامل حينما كنت في وطني -السعودية-، لكنني فهمته عملياً في بريطانيا حينما رأيت وعشت بنفسي واقع قطاعات الدولة، وأن الحكومة في الإدارة الحديثة لا تعدو أن تكون قطاعاً من قطاعات الدولة بل هي أصغر قطاعاتها ” ، حيث عاش بنفسه مع بعض زملائه جوانب عملية من دور القطاع الثالث في الشراكة والمسؤولية المجتمعية. فقد قام -كأنموذج- مع بعض زملائه في فرز وتصنيف بعض الأثاث الذي في الغالب يتركه الطلبة السعوديون المبتعثون حينما يغادرون بريطانيا، ورأى ما لفت انتباهه عن المنظمات التطوعية ودورها في قوة الدولة واستقرارها، وكذلك عندما شارك بعض زملائه الأنشطة التطوعية المتعددة داخل الجامعة وخارجها، مما أسهم في فهمه عن مشروع القطاع الثالث وأنه برنامج إصلاحي كبير لدول العالم العربي والخليجي خاصة حينما تأخذ به، ولكن لا حياة لمن تنادي -كما قال-.
و((علَّمني ابني)).. أن الفساد الإداري والمالي لأي دولة منظومة وليست أشخاصاً منبهاً لي أكثر من مرة بعدم نقد أشخاص محددين من المتنفذين الفاسدين بقدر أهمية معرفة أن الفساد: مجموعة من النُظم الإدارية والأشخاص المترابطين فيما بينهم برباط الفساد والإفساد الذي يكون مبرمجاً في الغالب وليس عفوياً.
كما ((علَّمني ابني)).. في حياته نظرياً بحديثه أكثر من مرة عن غياب المنظومة المرورية المتكاملة، وأن الانتحار الجماعي المروري في السعودية كأعلى معدل في العالم نتيجة طبيعية لهذا الغياب، فليست السلامة في حزام الأمان لوحده، وليست في نظام ساهر فحسب، بل إن السلامة المرورية منظومة متكاملة من النُظم والإجراءات تقودها إرادة سياسية قوية وتقوم على التعليم والتربية والتثقيف لتكون ثقافة مجتمعية متكاملة -كما هي في دول الغرب- تشترك في مسؤوليتها جهات متعددة وأقول معلقاً على قول ابني: هذا الواقع الخاطئ يكشفه بشكل أوضح غياب أي مؤسسة خيرية أو جمعية أهلية معنية بهذا التخصص نتيجة غياب مفاهيم الدولة الحديثة القائمة على مؤسسات القطاع الثالث التي تُكَمِّل نقص خدمات القطاع الحكومي وتعالج ثغراته.
******************
((علَّمني ابني)).. أن أستفيد من جميع أبنائي في تصحيح مقالاتي وكتبي والملاحظة عليها، فقد كان ابني عبدالملك مصححاً لبعض فصول الكتب التي قمت بتأليفها عن والدي ووالدتي وجدي ولا سيما المقدمات وهو لا يزال في بريطانيا، وكذلك لمعظم مقالاتي ورسائلي بعد عودته من بعثته الدراسية، لقد علمني العمل ببعض أصول المقدمات والنتائج للكتب والمقالات مما أجهله في ذلك من جديد، وذلك أسهم في رفع مستواها العلمي ووضوح رسالتها، فحقاً إنه علّمني، وأحتفظ بآخر مقال صححه لي قبل يومين فقط من وفاته-لم يُنشر- حتى الآن.
ومما ((علَّمني ابني)).. بعض آليات الاستفادة من برامج التقنية، فلا زلت أتذكر كيف أعطاني درساً متكاملاً عن آليات عمل الهاشتاق (#) في (تويتر) والاستفادة منه، وقال لي: إن التغريدات إذا لم تكن رسالة موجِّهة فالفائدة منها ضعيفة أو مضيعة للوقت، وقد رأيت ذلك جلياً في تغريداته المفيدة في حياته وقراءتي لها بعد مماته – رحمه الله-، والتي كان منها قبل وفاته بإحدى عشر شهراً تغريدة: (أريد الجنة.. وفي الجنة سأتمنى ما أريد) وبمراجعة تغريداته تشجعت على التعريف بها بعد مماته، ومحاولة إعادة التغريد بها من قِبَلي ومن غيري ليكون له من أجرها نصيب العلم الـمُنتَفَع به بعد الممات(9).
******************
((علَّمني ابني)).. أن لا أدع للتشاؤم موضعاً في أجواء الغلبة الظاهرة للباطل على الحق فيورث الإحباط ويؤثر على العمل، وكثيراً ما كان يقول لي: إن التفاؤل موضعه العسر وليس اليسر، فلن أنسى الفأل ممن تحدَّث عنه، ولن أنسى لابني تذكيره لي بذلك مراتٍ عديدة.
وتعلَّمت من وفاة ابني أن مجتمعنا -بحمد الله- لا يزال على خير كبير، وأن أمة محمد صلى الله عليه وسلم بخير عظيم، حينما رأيت حشود المشيعين وجموع المعزين وقوة العلاقات الأخوية والاجتماعية بين الناس، بالرغم من حملات التغريب ومحاولات تغيير القيم الدينية والاجتماعية وما أحدثته الأسواق الاستهلاكية وآليات التقنية الحديثة وأجهزة التواصل الاجتماعي من تعزيز قيم الليبرالية الفردية والأنانية الشخصية، مما يدل على عظمة قِيَم هذا الدين الذي يتجاوز التحديات ولا تطفئه الأفواه المغرضة وإن كبُرت، والألسن الكاذبة وإن طالت، ولا وسائل التقنية وإن انتشرت وضربت أطناب بيوت الوبر وأسوار منازل المدر في أرجاء المعمورة، فيالله ما أعظمك من دين!! يحفظ الأمة أكثر مما تحافظ عليه.
******************
تعلَّمت من وفاة ابني عبدالملك عملياً.. أن من حق الميت على ذويه تعبداً لله ووفاءً للميت المسارعة بتخصيص صدقة جارية له بعد مماته، وذلك بالعمل على (تأسيس مشروع خيري) خاص له ولعائلته، فكان بحمد الله بداية الترتيب لهذا المشروع من والديه وأسرته، إضافة إلى فتح المجال لقبول مبادرات بعض أقربائه وذويه وأصدقائه وأصحابه وأحبابه وزملائه بالمشاركة -وهم كثير بحمد الله-، وقد بادر بعضهم وسبق بتنفيذ بعض الأعمال الخيرية صدقةً جارية ووفاءً لمن أحبوه في حياته وبعد مماته، مما جعلني أوقن أن له خبيئة فيما بينه وبين ربه، فانقطاعه عن العمل الصالح واستمرار عطاءهم من مؤشرات الخير ومبشراته،-تقبل الله من الجميع وفاءهم وشراكتهم فيما يعود على الجميع بالخير في الدنيا والآخرة-(10).
وفي الختام .. علمني وعلمني ابني عبد الملك، وتعلمت منه الكثير والكثير، والذكريات الطيبة تتزاحم لكنني آثرت عدم الكتابة عنها، فالمقام لا يسع للذكريات ولا لكل ما تعلمت منه، ولو كان حياً ما فتنتُهُ بالكتابة عنه بأنه علَّمني وتعلَّمتُ منه، لكن تشريعات سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم التي قال فيها: “اذكروا محاسن موتاكم”(11) فتحت لي هذا الأفق فكتبت هذه الخواطر والمشاعر العاطفية. أسأل الله أن يتقبلها وأن ينفع بها، وأن يتقبَّله مع الصالحين والشهداء وحَسُن أولئك رفيقا.
(1) هو: عبدالملك بن محمد بن عبدالله السلومي، ولد في: 5/5/1405ه، ودرس في مدرسة تحفيظ القرآن الكريم المرحلة الابتدائية، وأكمل المرحلة المتوسطة والثانوية في المعهد العلمي، ثم حصل على شهادة البكالوريوس من كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى عام 1425ه، وهو محامي مسجل لدى قيد الوزارة برقم: 75/26 وتاريخ: 21/10/1426ه، ثم التحق بتاريخ: 4/7/1428هـ بهيئة التحقيق والادعاء العام، كما حصل في أثناء عمله بالهيئة على الدبلوم العالي في برنامج الأنظمة الجزائية التابع لمعهد الإدارة العامة بالرياض لمدة سنة(من: 26/8/1428ه، حتى: 24/9/1429ه)، وكانت نهاية خدمته من الهيئة في: 29/11/1430ه وهي بداية انتقاله إلى الجامعة الإسلامية لتحقيق طموحاته العلمية بالدراسات العليا، وابتُعث في بداية عام 1431ه لإكمال دراسته، وحصل على شهادة الماجستير من جامعة (ايست انجليا) ببريطانيا نهاية عام 1433ه تخصص قانون -حسب مشورة أبيه-، متزوج وله ابنتين (مريم المولودة عام: 1430ه) و(وفاء المولودة عام: 1432هـ) من زوجته الكريمة/ غادة ابنة د.محمد بن علي العقلا، وكان من صفاته -رحمه الله-أنه ذو همة عالية وجدية واضحة وطموح كبير في جميع أمور حياته العلمية والعملية، ومن صفاته التي عُرف بها الصبر والتحمل، كما عُرف بالكرم والجود والإحسان. وتوفي في مكة المكرمة بحادث مروري مساء يوم الاثنين 24 ذو القعدة 1434ه وصُلِّي عليه بعد صلاة المغرب في اليوم التالي بالحرم المكي، ثم دُفن بمقبرة العدل رقم (3) برقم القبر: 7/321 رحمه الله وأسكنه فسيح جناته. ورثاه كثير من محبيه وأقربائه وذويه بكلمات معبرة ومصبِّرة، وبأبيات شعرية، وكانت التعازي الإلكترونية فيه بوسم # عبدالملك _ السلومي، وهي مجموعة برسالة مكتوبة بعنوان: (قالوا عن #عبدالملك_السلومي) بما فيها ما كتبه وسطره والد زوجته رجل الوفاء د. محمد بن علي العقلا بعنوان (يرحمك الله ياعبدالملك).
( 2) رواه الترمذي (3/ 341، رقم 1021) وقال : حسن غريب.
( 3) انظر رابط تحميل الكتابhttp://www.mktaba.org/vb/showthread.php?t=16872.
( 4) ذكره أبا نعيم في حلية الأولياء حديث رقم: 1809.
( 5) يُتوقع -والله أعلم- أن أسباب الحادث كانت نتاج السرعة أو استخدام التلفون أو كليهما مع ملاحظة وجود سيارة نقل عام كانت أمامه غير مسرعة وفي المسار الأيسر من الطريق، وفي كل الأحوال فإنه وغيره من ضحايا غياب (الثقافة المرورية المتكاملة).
( 6) رواه الترمذي في سننه (كتاب الصلة والبر) باب ما جاء في معالي الأخلاق/ حديث رقم: 2018.
( 7) حديث (تهادوا تحابوا) رواه البخاري في الأدب المفرد حديث رقم (607)، وحديث (بشروا ولا تنفروا) متفق عليه.
( 8) رواه مسلم كتاب التوبة، باب فضل دوام الذكر والفكر في أمور، حديث رقم (4944).
( 9) انظر الكتاب على موقع مركز القطاع الثالث http://3rdsector.org/play.php?catsmktba=75
( 10) انظر عنها وقد بلغت (1101) تغريدة، على صفحته في تويترhttps://twitter.com/abdulmalik3031 وأتمنى من القرَّاء إعادة التغريد بما يحقق الفائدة منها، علماً بأنها مجهزة بملف إلكتروني كاملة لمن أراد تفعيلها بإعادة تغريدها، ويمكنه التواصل على البريد الإلكتروني: [email protected]
( 11) للتواصل حول المشروع المقترح يمكن للجميع التواصل مع شقيقه عبدالله بن محمد السلومي.
( 12) صححه السيوطي في الجامع الصغير عن عبدالله بن عمر مرفوعاً، ص 905.
لا توجد تعليقات