(تصفح نسخة PDF العادية)
(تصفح نسخة PDF التلفونية)
من خلال قراءتي في كُتب المفكر الألماني مراد هوفمان وبعض أبحاثه ومقالاته،([1]) أجد أنه لم يكتب عن الحداثة بصورة مستقلة في كُتبه بقدر ما هو تضمين عند نقده للحضارة الغربية ومؤشرات انحرافها أو أفولها –كما يرى-، حيث أن رؤى هوفمان للحداثة الغربية جاءت بسياق التوصيف والأثر كعوامل لأفول الغرب فقط. ولهذا وردت بعض التعريفات والمفاهيم في هذا الموضوع من غير أقوال هوفمان لمزيدٍ من الإيضاح حول النقص من التعريفات، والموضوع هنا ليس لمناقشة الحداثة ومصطلحاتها وتاريخها أو تفكيكها أو أنواع الحداثة والتباينات الغربية حولها وسياقاتها المتنوعة وتعريفاتها الجدلية، لكنه عن رؤية هوفمان حول انكشاف مخاطرها على حياة الغرب وحضارته عدا عن من يأخذ بها من غيره.
وهوفمان في ظل كثير من السياقات الفكرية في كتبه قد ترجَّح لديه بأن الغرب قد ضَلَّ الطريق السوي الصحيح في حياته الفكرية والأخلاقية التي تضبط الحياة والسلوك وتضمن له البقاء، حيث إن فقدان العقيدة وضعف الأخلاق مؤثران بقوة على بقاء الحضارات وأركان قوتها. ومع هذا الواقع للغرب فإن هوفمان يرى أن معظم الغرب المتعصب -حكوماتٍ ورجال دين وفكر- يغالط نفسه بغرور واستعلاء حول مخاطر تخبطاته الفكرية المتكررة والمتنوعة التي يعيشها اليوم، حيث تُعدُّ من أسباب بداية انهياره وعوامل أفوله.
والكتابة هنا تُعد من نتائج القراءة والتأمل في كُتبه وكتاباته، فهو يرى وبقوة أن مآلات الحداثة وما بعد الحداثة أدخلت معظم الغرب في انحرافات وصراعات فكرية مدمِّرة لحياته وقاتلة لمستقبله، حيث أن موضوع الحداثة وما بعد الحداثة في مآلاتها المشتركة ما تزال تُعمِّق التخبط الفكري وتُضاعف من الخواء الروحي والخلل النفسي، فحداثة الغرب وما يُسمى التنوير وما بعد الحداثة تُعدُّ من أبرز مراحل تحولات الغرب عن دينه في تاريخه المعاصر، ولهذا فإن فهم ما ترتب على هذه التحولات مما يكشف كثيراً من جوانب القوة أو الضعف لدى الغرب لبقاء حضارته وسيادته على الأمم الأخرى وهيمنته السياسية المُهدَّدة بالضعف أو الزوال.
فالقراءة مثلاً في كتب المفكر هوفمان العشرة([2]) وهو ممن عاش حضارة الغرب وَسَبرَ أغوَارَه، جعلتني أقتنع كما هي قناعات هوفمان بأن أصل مشكلات الغرب الروحية والفكرية والأخلاقية وأسباب احتضاره وأفوله جاءت من نفسه وبأسباب ترتبط بتحولاته الفكرية، فهو يرى أن أساس داء الحضارة الغربية المُزمن ناتج عن أخذها بالحداثة هروباً من الدين وضوابطه أو قيوده، وللخلاص من توجيهاته والتحرر من مُحرَّماته كما أرادوا هم. فالديانة النصرانية المُحرَّفة أسهمت في نشوء الحياة الإقطاعية التي سادت معظم دول الغرب مع وجود الأنظمة المَلَكية المُستبِدَّة المتحاربة في ذلك الوقت، وهو ما أنهك اقتصادياتهم وأرواحهم، وبالتالي كانت ردود الفعل لدى الغرب تجاه دينهم المحرَّف باستبداله بما يسمى الحداثة!!
وأنموذج واحد من أقواله يكشف شيئاً من رؤيته حول فشل حداثة الغرب مع نفسه وذاته في حاضره ومستقبله، وذلك بقوله: «إن مشروع الحداثة قد فشل فشلاً ذريعاً في مسعاه لترويض الغرائز البشرية بالعقل وحده. وبدلاً من حلول جنة العالم الآخر على كوكب الأرض نشبت حربان عالميتان مدمِّرتان واستُخدمت الأسلحة الكيماوية والذرية. وارتُكبت المجازر في محارق الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي وكوارث أخرى لا تُعد ولا تُحصى».([3])
ولأن هوفمان لم يتطرق لتعريفات الحداثة ولا لتاريخها وإنما كانت كتاباته عن أثرها على حياة الغرب بحاضره ومستقبله، فقد تَطلَّب هذا بعض الإضافات العلمية هنا من غير ما كتبه هوفمان؛ لتأكيد مدى ما ذهب إليه في كتاباته وكتبه عن الحداثة أو عن مآلاتها على الغرب ذاته، وما توصَّل إليه من نتائج حول عوامل وأسباب أفول الغرب تحديداً.
وتتعزز النتائج بما يُسندها من بعض الأقوال والرؤى الأخرى مما يكشف عن معرفة أكثر عن أسباب ودوافع ظهور الحداثة بالغرب، وشيء من تشخيصها ومخرجاتها، وذلك من خلال بعض المصادر من أنصار الحداثة وناقديها على السواء.
ومما ورد عن مفاهيمها المكتوبة عند أنصارها قول أحد الباحثين عنها: «يحتل مفهوم الحداثة ” Modernity Quote” في الفكر المعاصر مكاناً بارزاً، فهو يُشير بوجه عام إلى سيرورة [أي مسار] الأشياء بعد أن كان يشير إلى جوهرها، ويفرض صورة جديدة للإنسان والعقل والهوية، تتناقض جذرياً مع ما كان سائداً في القرون الوسطى.
وبالرغم من أهمية هذا المفهوم وشيوعه في الفكر المعاصر، إلا أنه أكثر التباساً وتعقيداً؛ لما ينطوي عليه من غموض، وارتباطه بحقول معرفية عديدة واستخدامه في مجالات مختلفة، وتوازي معناه مع مسيرة الحضارة الغربية الحديثة، التي أفرزت إشكاليات رافقت الحداثة وما بعدها… والحداثة هي نقيض القديم والتقليدي. فهي ليست مذهباً سياسياً أو تربوياً أو نظاماً ثقافياً واجتماعياً فحسب، بل هي حركة نهوض وتطوير وإبداع، وهدفها تغيير أنماط التفكير والعمل والسلوك. وهي حركة تنويرية عقلانية مستمرة، هدفها تبديل النظرة الجامدة إلى الأشياء والكون والحياة إلى نظرة أكثر تفاؤلاً وحيوية».([4])
ويُعرِّف الفيلسوف الألماني (إيمانويل كانط) الحداثة في سياق إجابته عن سؤال: ما الأنوار؟ فيقول: «”الأنوار أن يخرج الإنسان من حالة الوصاية التي تتمثل في استخدام فكره دون توجيه من غيره”. وباعتبار أن (كانط) من آباء الحداثة الغربية فإنه يؤكد “في كل أعماله أن شرط التنوير والحداثة هو الحرية…. بمعنى أن العقل يجب أن يتحرر من سلطة المُقدَّس ورجال الكهنوت والكنيسة وأصنام العقل”. والحداثة عند(تورين) باختصار كما يقول في كتابه نقد الحداثة “تَستَبدلُ فكرة الله بفكرة العلم، وتَقْصِرُ الاعتقادات الدينية على الحياة الخاصة بكل فرد”».([5])
«ويُعرِّف (رولان بارت) الحداثة بأنها “انفجار معرفي لم يتوصل الإنسان المعاصر إلى السيطرة عليه”. ويصف لنا (جوس أورتيكا كاسيت) الحداثة قائلا: “إن الحداثة هَدْمٌ تقدمي لكل القيم الإنسانية التي كانت سائدة في الأدب الرومانسي والطبيعي، وأنها لا تُعيد صياغة الشكل فقط، بل تأخذ الفن إلى ظُلمات الفوضى واليأس”».([6])
وهذه التعريفات وغيرها كثير جاءت من بعض ما ورد على ألسنة أهل الحداثة من الغربيين أنفسهم أو من أنصارهم، ومن أتباعهم على اختلاف مشاربهم واتجاهاتهم.
ومما يُعزِّز هذه الأقوال الغربية عن حقيقة الحداثة ويسهم في إيضاحها أكثر أقوال بعض الباحثين من المسلمين حول مفاهيمها ودلالاتها ومآلاتها، ومن ذلك:
* أن الحداثة فكرة لا تقتصر على الجانب الأدبي فقط كما يتصور البعض. إنما هي نظرية وفلسفة وأيديولوجية تعم وتشمل كافة الجوانب الحياتية اجتماعية كانت أم معرفية أم صناعية أم سياسية أم غيرها. وبالتالي فالحداثيون يُقدِّمون تصوراً هدَّاماً لحياة الناس يتصادم مع الهدف من وجود هذا الإنسان والكون والحياة، وهذا التصور الحداثي الغربي اقتحم جميع مناحي الحياة.
* أن الأساس الذي تقوم عليه فكرة الحداثة هو العقل والعقلانية التي تُهدِر معها كل ما لا يدركه العقل. فالعقل المتحرر من كل سلطان هو معيار أهل الحداثة، بل هو السلطان الحاكم على الأشياء.
* الحداثة مُعَاكَسَةٌ مع الماضي وانقطاع عنه. فهي انفصال للحديث عن القديم، بل هي ثورة على كل قديم مقدس أو غير مقدس.
* أنها الحرية المطلقة التي لا يقف في طريقها ضابط، ولا يحكمها شيء.
* أن الحداثة لا تتحقق إلا بحركة الإنسان حراً طليقاً دون وصاية عليه من أي جهة.
* الحداثة فكرة ضد الله والغيب. وفي ذات الوقت لا تتحقق إلا بعزل الدين عن شئون الحياة، وقصره على الشئون الخاصة بكل فرد.([7])
وأقول معلقاً على ما سبق لقد ظللتُ فترةً من الزمن أقرأ محاولاً معرفة سِرَّ إعجاب بعض المثقفين وأشباههم من المسلمين بالحداثة الغربية وتباهيهم بالمصطلح ومحاولة إسقاطه على الدين الإسلامي وتراثه وثقافته، فأدركت بقناعةٍ علمية أن كثيراً منهم يجهل هذا المصطلح وظروف نشوئه ومآلات الأخذ به. وربما أن هذا البعض يُردد هذا المصطلح دون وعي بحقيقته، بل عجبتُ كثيراً من نسيانهم وجهلهم، أو تناسيهم وتجاهلهم لمصطلحات التجديد والاجتهاد في الدين الإسلامي، وما فيهما من غُنية عن كلمة الحداثة، عدا عن مدلولاتها ومفاهيمها الغربية المرتبطة بكل ما يتعارض مع الحقيقة واليقين في الإسلام!
وأرى أنه إذا جاز للمسلمين استخدام هذا المصطلح في جانبه اللغوي المجرد من أيديولوجيته المنحرفة، فإن على هؤلاء أن يعوا حقيقة أن الدين الإسلامي بعقيدته وتشريعاته وقيمه هو في حقيقته أصلاً تحديث وتجديد وإصلاح لمسار الديانات اليهودية والنصرانية اللتين ضلتا الطريق، وكفى بإيضاح القرآن عن هذا ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ (الفاتحة:6-7).
وربما يكون الاستغناء عن المصطلح بمفاهيمه المستوردة أن تكون الحداثة والتحديث في الإسلام بإحياء الاجتهاد الشرعي الفقهي للمسائل الشرعية كما يرى البعض، وقد دعا لهذا هوفمان من خلال جهود علماء يمتلكون أدوات التجديد والاجتهاد. كما يمكن أن تكون هذه الحداثة عند القبول اللفظي للمصطلح منهج تجديد وتحديث صحيح وسليم للمسلم. لكن لا يمكن لحداثة مُستَورَدة متصفة بالصفات سابقة الذكر أن تضاهيَ أو تعلوَ على دين الإسلام، وما فيه من الإيمان واليقين بحقيقة الحياة الدنيا والآخرة، وما في هذا الدين من الثواب والعقاب الأخروي الرادع عن الظلم والعدوان على البشرية، وبما في هذا الإيمان بالثواب والعقاب مما يُصلح حياة البشرية ويهديها إلى مقاصد الحياة وغاياتها! بكل وسائل التجديد والتحديث المشروعة.
يقول هوفمان عن جذور أزمة الحداثة ومأساة التنوير وعن البديل المنافس: «إن جذور الأزمة الأخلاقية الحالية في الغرب تعود إلى 250 عاماً مضت. فإن عملية الشفاء منها تبدأ بنقد جذري لعقلانية الحداثة، وما خَلَقَته من دين بديل. فلن يكون هناك أمل في الشفاء إلا إذا نجحنا في تحرير الغرب من وهم الحداثة التي تحكمه؛ لأننا في هذه الحالة فقط ننجح في وقف عملية التسميم الذاتي العقلاني، التي يُمارسها الغرب ليتمكن من إعادة صلته بالغيبيات، وأن يستعيد المقدس والإلهي مكانته في دائرة اهتمامه، ويكون هذا أمام عينية. إذاً فالأمر يتطلب إعادة الاعتبار للدين كرد فعل عقلاني على حاجة الإنسانية التي لا بد أن تبدأ بوضع العلوم التطبيقية في مكانها، وليس كبديل عن الدين».([8])
ويؤكد هوفمان أن الإسلام بديل حضاري والاجتهاد الشرعي فيه بديل عن أوهام الحداثة، وعن هذا قال: «إنني أثق في قدرة الإسلام على النجاح في أن يَستبدِل بالنموذج القائم نموذجه القادر على تجاوز فشل الحداثة، وذلك بالرغم من القصور بين أتباعه».([9])
ويكرر المفكر هوفمان القول حول الحداثة وأوهامها، والتنوير ومأساته كما هي تعبيراته في كثيرٍ من كُتبه ودراساته: أن التحديث الحقيقي بالنسبة للمسلمين إنما يكون بتعزيز الاجتهاد الشرعي فهو البديل المنافس، حيث الإيمان بالعلم دون تعارض خلافاً للغرب مع دينه المحرَّف، وحيث عدم التناقض بين الإيمان والعلم، كما هي الحالة الغربية مع كنائسها ودينها النصراني. وهي الحالة التي قادت الغرب إلى ما يُسمى حركة التنوير والحداثة خروجاً من جمود ديانتهم واستبدال رجال دينهم، وهذه الحالة في الغرب هي التي انتهت به إلى الشك والإلحاد والتنقل باضطراب وقلق بين المذاهب الفكرية والنظريات الفلسفية! وكفى أن الحداثة في الغرب ترتبط بتقديس العقل ونبذ الدين والموروث، وربما السخرية من النصوص أياً كانت.
ويرى بعض الباحثين من المسلمين كما يرى هوفمان أن البديل المنافس لمصطلح الحداثة هو الاجتهاد الشرعي في الإسلام. والاجتهاد هو المصطلح الذي يُعبِّر عن احتياج المسلمين في جميع عصورهم. ولهذا فالحداثة ومفهومها من منظور إسلامي واعٍ –عند القبول بهذا المصطلح اللفظي فقط- هي اعتبار الإسلام دين التجديد والاجتهاد الدائم. وبالتالي فالإسلام في حقيقته ثورة على الجمود والتقليد والخرافات والأساطير في الأديان المحرَّفة والأفكار المنحرفة، بل إنه دين إنقاذ وإصلاح لمسار البشرية من أساطير النصرانية وخرافاتها، ومن تحريف اليهودية وضلالها ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ (الفاتحة:7). وكفى بهذا الإصلاح الديني بالإسلام حداثةً وتطوراً وتقدماً. وعن هذا الاجتهاد في تشريعات الإسلام كَتَبَ أحد الباحثين، ومما قال: «الإسلام عن طريق الاجتهاد هو أكبر دين حداثي؛ لأنه يُعطي الفرع شرعية الأصل، ويعترف بالزمان والمكان وبالتطور، وإن إجماع كل عصر غير مُلزم للعصر القادم.. لدينا الاجتهاد وهو اللفظ الذي أُفضِّله، ولا أُفضِّل لفظ الحداثة، فحداثتي من الداخل».([10])
ولهذا فإنني أرى أنه لا يمكن لحداثةٍ تسعى لنفي الغيب والتحرر من الإيمان وَرِقِّه –كما يرون- وتعمل على إطلاق حرية التحقق والاختيار الإنساني مع غياب اليقين، أنها مع هذه الحالة سوف تتعاطى بفهم صحيح مع حقيقة الإنسان وحقيقة الحياة ومآلاتها والكون ووظائفه والهدف من الوجود، وإذا كانت حداثة الغرب وانقلابهم على دينهم بسبب ما طرأ على دينهم من التحريف، وما فيه من تصادمٍ مع العلم والمعرفة والعدالة! فإن الأمر مختلف كل الاختلاف مع الإسلام الذي يدعو للعلم والمعرفة وتحقيق العدالة.
وأرى كذلك أن التجديد في الإسلام الذي ورد في الأحاديث النبوية من لوازمه الاجتهاد الشرعي وأن حركات التجديد والمجددين عبر عصور التاريخ الإسلامي وما فيها من إحياء للاجتهاد الفقهي تَفُوقُ مفاهيم الحداثة الغربية في فاعليتها المنضبطة بضوابط الشريعة، بل ومحركاتها القوية من الحث على العلم والمعرفة والاحتساب بمفاهيمه الواسعة، فهو دين يُحدِّث نفسه بنفسه من خلال تشريعاته، ومن ذلك ما ورد من قول المصطفى ﷺ: (إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا)([11]) والتجديد يكون بالأفراد وبالجماعات العلمية والدعوية والحركات الإصلاحية الشرعية.
ولهذه الأدلة والدلالات والمفاهيم يتأكد على دعاة الحداثة والليبرالية الجانحة من العرب والمسلمين أن يتعمقوا في دراسة وفهم الحداثة الغربية. فربما أنهم لم يقرأوا عنها ما يكفي! أولم يفهموها كما ينبغي! ليأتي بعد ذلك تحرير المصطلح عن حداثة الغرب. فاستيراد مصطلح الحداثة لدين سماوي حق، ووحي حق يتوافق مع العلم الصحيح والعقل السليم يُعدُّ ضرباً من العبث. ولا يمكن لمؤمنين بالقرآن قبول الحداثة بصورتها وتاريخها وهويتها الغربية، وما في قبولها من إلغاءٍ أو إضعافٍ لأصالة الفكر والثقافة الإسلامية. ولا يمكن قبول الحداثة لتكون سُلَّماً للتغريب الفكري والثقافي المُغلَّف بالتحديث والتنوير. وهي في حقيقتها ظلامية وحقد على الموروث، لا سيما أن الحداثة المُستوردة في غالب أحوالها لدى المُتبنين لها من المسلمين أو من المحسوبين على الإسلام تتسم بالتمرد على الدين وضوابطه من أرباب التطرف والغلو الليبرالي، القائم على الانفصام عن ثقافة أمة الإسلام الأساسية وعقيدتها وموروثها العلمي الصحيح.
د. محمد بن عبدالله السلومي
باحث في الدراسات التاريخية ودراسات العمل الخيري والقطاع الثالث
[email protected]
_ _ _ _ _ _ _ _
([1]) للكاتب دراسة بحثية في كتب هوفمان ورؤاه وما فيها من مقارنات بعنوان: (المفكر الألماني مراد “ويلفرد” هوفمان – رؤيته في احتضار الغرب! وصعود الإسلام!)، وتُعدُّ هذه الورقة من نتائج الدراسة.
([2]) وهي الكتب التالية: الرحلة إلى الإسلام – يوميات دبلوماسي ألماني “يوميات ألماني مسلم” –حسب الترجمتين-، الإسلام كبديل، الإسلام عام 2000، رحلة إلى مكة، الإسلام في الألفية الثالثة ديانة في صعود، الإسلام – كما يراه ألماني مسلم، خواء الذات والأدمغة المستعمرة، في تطور الشريعة الإسلامية، نظام الحكم الإسلامي في العصر الحديث، مستقبل الإسلام في الغرب والشرق.
([3]) مراد هوفمان، نظام الحكم الإسلامي في العصر الحديث، ص95-96، وللمزيد من النصوص انظر عن اقتباسات كثيرة حول نقد الحداثة لهوفمان في الفصل الأول (المجموعة الخامسة).
([4]) انظر: إبراهيم الحيدري، ما هي الحداثة؟، موقع إيلاف، بتاريخ 2 يونيو 2009م، الرابط التالي: https://elaph.com/Web/ElaphWriter/2009/5/444829.html، نقلاً عن: (Habermas, Jurgen, Der Philosophische Diskurs der Moderne, Frankfurt, 1991)
([5]) انظر: علي وطفة، بحث بعنوان: (مقاربات في مفهومي الحداثة وما بعد الحداثة)، مجلة فكر ونقد، عدد (34)، ص2، 16.
([6]) انظر: عدنان علي رضا النحوي، تقويم نظرية الحداثة، ط1، دار النحوي للنشر والتوزيع – السعودية، 1992م، ص35.
([7]) انظر: أحمد محمد زايد، مقال بعنوان: (ما الحداثة؟)، صيد الفوائد، الرابط التالي:
http://www.saaid.net/mktarat/almani/70.htm
([8]) الإسلام في الألفية الثالثة – ديانة في صعود، ص286، 287.
([9]) الإسلام في الألفية الثالثة – ديانة في صعود، ص287.
([10]) انظر: زكي الميلاد، بحث بعنوان: (الاجتهاد وبناء المعاصرة في الفكر الإسلامي)، بتاريخ 14 يناير 2019م، الرابط التالي: https://bit.ly/3gfJGXk، (الخطاب الإسلامي المعاصر، محاورات فكرية، إعداد وحوار: وحيد تاجا، حلب: فصلت للدراسات والنشر، 2000م، ص62).
([11]) رواه أبي داوود في سننه، حديث رقم (4291)، ورواه الألباني في صحيح الجامع، حديث رقم (1874).
لا توجد تعليقات