((فصول علمية مختارة عن بلدة الشنانة))
-من كتاب: الرس وأدوار تاريخية في الوحدة-
د. محمد بن عبدالله السلومي
الفصل الثاني
الشنانة مقدمات ومعلومات تاريخية
لـدى (الشنانة) قــد أودَعتُ وجداني
وفي رُبى (الرس) أصحابي وخلاني
سعــوا إلى النهضـةِ الكُبرى بلا كَـلَلٍ
لوَحْــدَةِ الصَّـــفِّ خَلْفَ القائِدِ البانــي
وقــلتُ مســـتــنزلاً سُــحْبَ السمـا مـطراً
علـى (الشنانة) مــــن آنٍ إلـى آن
(الشاعر: محمد الشهري)
الشِّنَانَة: الموقع والأهمية
اشتهرت الشنانة تاريخياً([1]) بالوقعة والقطعة أو المعركة المنسوبة إليها حسب بعض المؤرخين؛ ومن المهم تدوين بعض المعلومات التاريخية عنها وعن أهلها، بين قديم تاريخها وحديثه، وعن قراها وسكانها في سابق تاريخها ولاحقه، ونماذج من العمل التعاوني والشجاعة والكرم لدى أهاليها، وجهود بعض مُطوِّعيها في نشر الوحدة العقدية، والدعوة والتعليم خارج الرس وداخلها.
وتقع الشنانة القديمة قرب الضفة الجنوبية لوادي الرِّمة، على بعد حوالي 4 أكيال منه، وعلى مجرى وادٍ يسمى (شعيب الشنانة) يصب في وادي الرِّمة([2]).
وفي عام 1431هـ اخترق أراضي قرى الشنانة -قديمها وحديثها- الدائري الغربي للرس، لتصبح القرية من أطراف أحياء مدينة الرس وملاصقةً لمخططاتها البلدية الغربية.
والشِّنَانَة بكسر الشين المشددة، ونونٌ مفتوحة، فألف، ثم نون ثانية، فهاء بصيغة النسبة إلى (الشنان)، والشنان شجر من شجر الحمض عندهم([3]).
والشنانة: بلدة أو قرية من القرى الهامة في مدينة الرس من منطقة القصيم، وكانت حسب كثيرٍ من الكتابات التاريخية مع قرية الرويضة الواقعة شمال غرب الرس من المصادر الغذائية والتموينية بالتمور والحبوب وغيرهما لبلدة الرس، بل كانتا تُشكلان امتداداً اقتصادياً وسكانياً وعسكرياً للرس، كما أن بلدات القوعي والرسيس غرب الرس كانتا كذلك من السَّلات الغذائية.
وقد كانت الشنانة القديمة بلدة هامة تضم عشائر وأُسراً متعددة، كما كان يصفها البعض من القدامى بـ(البصيرة)، وأَطلَق عليها بعض الناس هذا الوصف تشبيهاً لها بالبصرة العراقية بصيغة التصغير؛ لكثرة النخيل فيها، بل كانت البلدة مُصدِّرةً للتمور(الرطب)، خاصةً ما يُسمى (الخَرَاف)، واشتهرت قديماً بنوعية رمانها الجيد الذي كان مطلوباً في أسواق الرياض وبريدة، بعد أسواق الرس لتميز نوعيته وطيب مذاقه.
ويمكن أن يُضاف لأهمية الشنانة تاريخها القديم وما فيه من أحداث، ففي الروايات الشفهية وبعض الأوراق المخطوطة المتداولة بخط الشيخ قرناس وغيره ما يؤكد هذا التاريخ القديم للبلدة، خاصةً ما ورد في بعض أوراق المبايعات مما يفيد تحديد بعض أملاك هذه البلدة، ووجد مؤخراً إحدى التعليقات على صورة ورقة كتبها الشيخ قرناس عام 1253هـ من قِبل خليفة بن سليمان بن خليفة المنيع، وفيه أن آل جنيزر هم ذرية محمد الباهلي الملقب جنيزر، وهو جد أحد بطون باهلة، ووجودهم بالشنانة بعد بيعهم لبلدة المِذْنب بالقرن العاشر على النواصر من بني تميم، واستقر بهم الحال في الجنيزرية، وهي مُلكٌ معروف غربي مرقب البلدة حالياً، وهذا مما يُعدُّ تاريخاً مبكراً لسُكناها قديماً، وهو ما يؤكد أن هناك بعض المجهول حول التاريخ القديم لنشأة هذه البلدة! وسكانها القدامى! وتاريخ مرقبها المشهور! وأصل عمارتها المُتقدمة تاريخياً.
وبالرغم من هذه الروايات عن قِدم الشنانة، والأرقام الكبيرة لسكانها وشهدائها في الحروب، فلم يَرِدْ في الروايات أو الكتابات التاريخية التي تم الاطلاع عليها، ولا المرويات الشفهية كذلك، بأن الشنانة كان لها أمير خاص بها، سواءً قبل حملات الباشا أم قبل ما يُسمى قطعة الشنانة أم بعدها! وكل ما ذُكر من مرويات وأقوال شفهية متواترة هي عن سكنى ثلاثة أمراء فيها من الشوارخ، حينما كانوا أمراء للرس آنذاك!
وكانت الشنانة واسعة المزارع، ومتعددة المساكن وكثيرة السكان، وفيها أسواق تجارية، وذلك قبل قيام الدولة السعودية الثالثة، بل ربما قبل الدولة الثانية والأولى حسب بعض الأقوال والإشارات التاريخية، ويروي محمد الصويان وهو من سكان البلدة وممن عاش في مزرعة الصويان (فوزه) ويصفها بقوله: «عندما غزا ابن رشيد الشنانة كان فيها خمسة وتسعون (95) حائطاً، كلها عندما أتى كانت مُرجِّحة بالتمر… مكاننا مكان الصويان: والله إنها سبعمائة جذع… سبعمائة نخلة! كل واحدة فيها كانت محملة بأربعة أو خمسة عذوق، ولم يرحل ابن رشيد منها وبها خوصة واحدة, شهر يأكلون من ثمرها.. وشهر يأكلون من جُمَّارها.. ضاع فيها الحمار لمدة ثلاثة أيام لكبرها([4])، كانت حوالي نصف الديرة عليها أربع قلبان… كلها للصويان، الصويان أربعون نفساً»([5]).
وقد يدخل في أهمية الشنانة أنهاأنها هي الديرة الكبيرة بالنسبة للرس قديماَ، وأن حوالي ثلاثة أو أربعة من أمراء الرس من الشوارخ سكنوها، ومنهم شارخ بن فوزان بن شارخ، وذلك زمن حملة طوسون باشا على الرس عام 1230هـ([6]).
وتتكرر الأقوال والروايات حول هذه المكانة للشنانة بسُكنى بعض أمراء الرس فيها واتخاذهم إياها مقراً لهم، فإحدى هذه الروايات تؤكد أن أمير الرس عام 1230هـ السابق ذكره -والذي له قصةٌ مشهورة في معظم المصادر التاريخية المحلية ترتبط بغزوة محيط ومحرش([7])– عاد من الدرعية عام 1233هـ ومعه منيع بن خليفة! واستوطن شارخ الشنانة([8])، وهو العام الذي سقطت فيه الدرعية([9])، وهذا الاستيطان لشارخ مما يعكس أهمية هذه البلدة بالنسبة للرس وأمرائها آنذاك.
وكتب عن هذه الأهمية المبكرة تاريخياً لعمارة الشنانة المؤرخ الفرنسي فيلكس مانجان، حيث وصفها في كتابه بالواحة التي استراح بها جيش إبراهيم باشا ثمانية أيام، قبل حصاره للرس زمن الدولة السعودية الأولى، وهو ما يدل على قِدَمها التاريخي، فقال عنها: «كانت بلدة الشنانة التي ظهرت للجنود في الأفق البعيد، تبدو من خلال الخضرة التي تكتنفها، بلدة كثيرة الخيرات، وافرة النعم. ولكن عبدالله بن سعود كان قد خرَّبها»([10]).
وفي موضع آخر قال مانجان: «وجاءه زعماء الخبراء والبكيرية والهلالية والشنانة يجددون ولاءهم»([11])، وهو ما يعكس أن للشنانة وأهلها كيانٌ أهلي غير الرس آنذاك.
واشتهرت هذه البلدة بحادثة القطعة والمعركة العسكرية التي جاءت بعد الأحداث التاريخية السابقة، وعُرفت البلدة بأحداث ابن رشيد في قطع نخيلها، ومما يدل على مكانتها العسكرية مبنى المرقب الطيني الذي يسميه البعض (برج الشنانة)، وهو طويل الارتفاع بالنسبة إلى ما يماثله من مباني طينية آنذاك، والذي لا يزال باقياً شاهداً على ما بلغته تلك البلدة من تاريخ وقوةٍ عسكرية في الماضي كما سيأتي التفصيل عن هذا المرقب.
ويظهر تاريخياً أن آخر عهد الشنانة القديمة بالعمران والازدهار الزراعي، عندما غزاها ابن رشيد وجنده ونزلوا فيها في عام 1322هـ، إذ قام ابن رشيد بهدم البيوت وقطع النخيل, بغية التدمير والإرهاب، حسب وصف ابن صويان([12])، وقد هجرها كثير من أهاليها القدامى، بعد فعل ابن رشيد, لكن الحياة انتقلت إلى أعالي الشنانة، وازدهرت القرى والمزارع الجديدة جنوب الشنانة القديمة بالحياة فيما بعد ذلك، يعني في أعاليها بالنسبة للسيول، لكن لم تكن حياتها بالمستوى الماضي حسب وصف بعض الكتب التاريخية كما ورد.
ويؤكد حاضر الشنانة بِقُراها ومزارعها الجديدة، عودة بعض الحياة العمرانية فيما بعد ذلك، كما أن الصويان المعاصر لأحداث القطعة ذكر هذا قائلاً: «وفي السنوات الأخيرة رجعت قرى الشنانة باستعادة جزء من عمرانها ونشاطها السابق, ولكن في أعلى البلدة القديمة –يعني في جنوبها-»([13]).
وعن هذه الأهمية الجغرافية، كَتَبَ أحد الباحثين المصريين كتاباً ربط فيه بعنوان الكتاب بين الرس وسقوط الدرعية، عاصمة الدولة السعودية الأولى بعنوان: (الرس وسقوط الدرعية) وتضمن بعضاً من الوثائق التاريخية، التي قد يُعدُّ نشرها جديداً، ومما ورد في الكتاب عن الأهمية الجغرافية والعسكرية للرس قوله: «وعندما قامت الدولة السعودية الأولى أضحت الرس بلدة تابعة لها، وباتت طريقاً من الطرق المهمة الموصلة لمدينة الدرعية حتى عُرف أنها (مفتاح الدرعية)، ولهذا عندما قامت جيوش طوسون باشا وإبراهيم باشا (1230–1232هـ/1815–1817م) وتوجهت نحو شبه الجزيرة العربية، لإسقاط الكيان القائم والمعروف بالدولة السعودية الأولى، وعاصمتها الدرعية، فقد كانت تلك الجيوش لابد لها بدايةً من الاستحواذ على الرس أولاً، للوصول إلى الدرعية، وعلى هذا أصبحت الرس تمثل عقبة كؤوداً، أمام تحركات جيوش طوسون باشا وإبراهيم باشا، ممـــا جعلهــــا محــــــوراً مــــن المحــــاور ذات الأهميــــة الكبيـــــرة، في التكتيــــك الاستراتيجي للعسكرية العثمانية، بما مارسته تلك البلدة من وسائل الدفاع المختلفة، أمام هذه الجيوش الزاحفة»([14]).
الأهمية التاريخية العسكرية للشنانة
الإشارات عن بلدة الشنانة وتاريخها في هذا الكتاب كُتبت على سبيل الإجمال والاختصار، بالرغم من حقها في البحث العلمي لمعرفة مزيدٍ من الجوانب المجهولة من تاريخها القديم، والكتابة عنها هنا فيها محاولة علمية لإضافة بعض المعلومات حول التاريخ العسكري للبلدة، بذكر بعض الأحداث التاريخية المهمة.
فمن أهميتها العسكرية موقعها الجغرافي الذي فَرَضَ عليها أن تكون مع الرس بوابة نجد للقادم من الجهة الغربية، وهي بهذا أصبحت المحطة الأولى لجيوش الحملات العدوانية لولاة مصر، وأُطلِق على مكان تجمع جيوش الحملات اسم (حزم النظام)([15])، وبالتالي كانت الأهمية التاريخية (الجغرافية العسكرية) لها مع الرس، كأول خط دفاع عن القصيم بشكل خاص، ونجد بشكل عام، وجيوش الحملات خاصةً في جغرافية نجد تختار مواقعها في أماكن آمنة ومُطِلَّة على البلدات كما هو حزم النظام ليكون موقعاً عسكرياً للحملات، إضافةً إلى أن الشنانة كانت وافرة المياه والزروع والثمار مما تحتاج إليه الجيوش ذلك الزمن بأفرادها ودوابها.
وتكشف عن بعض هذه الأهمية التاريخية للشنانة أهمية جغرافيتها وحجم سكانها في كتابات بعض المؤرخين، ومنهم عثمان بن بشر الذي كتب عن حملة طوسون باشا وحصار الشنانة عام 1230هـ، ومما قال: «وندم كثير من أهل الرس على إطاعتهم الروم، وانحاز عدة رجال منهم إلى الشنانة النخل المعروف فوق الرس وصاروا في قلعتها، فسار إليهم وحاصروهم أشد الحصار ورموهم بالمدافع والقنابر فثبتوا وقتلوا من الروم عدة قتلى، ورحلوا عنهم ورحل العسكر والبوادي الذي في الشبيبية [مكان بين عنيزة والخبراء] وانهزموا إلى الرس»([16]).
وممن كتب عن حملة طوسون باشا على نجد فيلكس مانجان مبيناً أهمية الشنانة ودورها في بعض الأحداث: «اتجه على رأس قواته نحو بلاد نجد، ولما وصل إلى حدود منطقة القصيم ذهب إلى الشنانة التي استسلمت له بعد حصار دام يومين»([17])، وهو ما يكشف أن هذه البلدة لوحدها لها حامية خاصة بها من أهاليها، ولها سور وقلعة حسب ابن بشر، وربما أن القلعة المقصود بها مرقب الشنانة المعروف، ولذلك فهي بلدةٌ مقصودة بذاتها من الأعداء وحملاتهم قبل وصولهم للرس.
وإضافةً لما سبق يضيف المؤرخ مانجان ما يؤكد أن هذه الديرة ربما كانت كياناً غير الرس في بعض الجوانب العسكرية، وذلك فيما مضى من تاريخها، كما هو حال كثير من البلدات، حتى لو تقاربت المسافات بينها، فيقول عن جولة أخرى ثانية من قِبل طوسون على الشنانة، بعد الهلالية التي هرب أهلها من مواجهة طوسون، والبكيرية التي قاومت بالرصاص، وبعد ذلك عيَّن على تلك البلدتين حاكمين من طرفه، وهدم أسوارهما: «ولما علم أهل الشنانة أن السعوديين استولوا على قافلة كانت متوجهة إلى معسكر الأتراك، اتفقوا مع أهل الرس على مفاجأة الحامية التركية في الرس والفتك بها، وعلى الرغم من أن أهل الرس كانوا على استعداد لتقديم العون لأبناء جلدتهم، غير أن خطتهم غير المحكمة، أحبطها حاكم الرس الذي علم بالأمر في الوقت المناسب، فأمر مَنْ نَزَع الأسلحة من الأهالي، وبعد أن أخضع الهلالية والبكيرية أرسل باشا قواته إلى الشنانة وحاصرها أربعة أيام، وخسروا (200) مئتي رجل [قتيلاً] ثم استسلموا، فأمر طوسون باشا بهدم البيوت، وتشتيت شمل الأهالي»([18]).
ويؤكد هذه الأهمية الجغرافية العسكرية للبلدة ما ذكره بعض المؤرخين، بأن حملة إبراهيم باشا 1232هـ أثناء تقدمها إلى الرس دخلت بلدة الشنانة، لكنها كانت خاويةً تقريباً من سكانها، بعد أن نقل عبدالله بن سعود القادرين من أهلها على حمل السلاح إلى الرس لتعزيز القوات الموجودة فيها، في حين نقل الشيوخ والنساء والأطفال والماشية إلى الوشم, وقام بردم آبارها حتى لا تستفيد منها القوات المعادية, وكانت القوات المصرية قد أُنهكت أثناء سيرها, لذلك أقامت عدة أيام في بلدة الشنانة لأخذ قسط من الراحة قبل مواصلة السير إلى الرس([19]).
وورد ذكرها لدى المؤرخ الأمريكي ريتشارد وايندر زمن الدولة السعودية الثانية، وأن حملة خورشيد باشا جمادى الأولى عام 1256هـ توجَّهت إلى الشنانة غرب القصيم، وتبعد حوالي خمسة أكيال إلى الغرب من الرس, وهناك أَمَرَ خورشيد البدو من حوله ومعظمهم من قبيلة حرب بتزويده بإبل إضافية حتى يتمكن من أن يرسل طلب قواته التي لا تزال موجودة في ثرمدا, وقد وصلت هذه القوات إلى الشنانة([20]).
وإلى الأهمية العسكرية للشنانة عسكر خورشيد باشا فيها كما أشار إلى ذلك الشيخ المؤرخ إبراهيم بن ضويان في تاريخه في أحداث سنة 1255هـ، وعن هذا يقول: «ثم رحل من عنيزة ونزل الشنانة نحو أربعة أشهر»([21]).
وإذا تأملنا هذه الأقوال المتقدمة تاريخياً خاصةً المؤرخ مانجان، حول هذه البلدة وحجم سكانها قديماً!! ثم أضيفت لها بعض الأقوال المتأخرة، كما ورد من رواياتٍ عن محمد الصويان، مما سبق ذكره فإن الباحث والقارئ على حدٍّ سواء يتطلع إلى معرفة أكثر، وبحوث أوسع، عن التاريخ القديم للشنانة، وعن كثافة سكانها القُدامى، وما يرتبط بهذا وذاك من أحداث.
وهذا الإفراد عن الشنانة لدى هؤلاء المؤرخين، يكشف عن تاريخ قديم ومكانة مستقلة لها، وأهمية جغرافية عسكرية عند الأعداء المعتدين، كما أن حجم الخسارة البشرية المذكورة في تاريخ مانجان، تؤكد على أن سكان الشنانة عددهم كبير، مع بداية القرن الثالث عشر الهجري، فالخسارة لوحدها كانت 200 رجل آنذاك! وفي الوقت ذاته فالنص التاريخي هذا، مما يكشف بأن أهالي الشنانة ممن دفع الثمن مرات عديدة قديماً وحديثاً، في سبيل مناصرتهم لأمنهم ولدولتهم ووحدتها.
ولذلك فالأهمية تتأكد بحق بلدة الشنانة مع الرس، في الاستهداف العسكري في سياق التكامل الجغرافي بينهما، سواءً في دور الرس والشنانة في التكامل التاريخي العام زمن الدولة السعودية الأولى ضد الحملات الأجنبية، أم في أحداث التأسيس للدولة الثالثة.
ولما سبق من هذه الأهمية التاريخية العسكرية للشنانة؛ فقد أفرد لها الملك سعود زيارة خاصة بها، بعد زيارته للرس عام 1379هـ، وكان للشنانة احتفال خاص معروف بهذه المناسبة.
سكان الشنانة في تاريخها القديم
تُجمع الروايات الشفهية والمكتوبة، على أن للشنانة تاريخاً قديماً، ربما يعود إلى القرن العاشر الهجري، ومنها ما ورد في الموضوع السابق عن سُكنى البواهل الملقبين بالجنيزر، وأنه كان في تواريخ متقدمة، ومن ذلك ما يراه سليمان بن عبدالله بن محمد الرشيد؛ أن الشنانة القديمة التي فيها المرقب، أُسست في منتصف القرن الثاني عشر الهجري 1150هـ تقريباً([22])، ويؤكد ما سبق روايات المؤرخ فيلكس مانجان عنها في زمن حملة طوسون باشا عليها عام 1230هـ، كما أن مرويات الصويان الوصفية المتأخرة حولها وكثرة أسرها وعوائلها، زمن حصار ابن رشيد لها 1322هـ، بأن حيطانها وأملاكها تزيد عن (95) حائطاً مما يكشف عن قِدم تاريخها.
ويضاف إلى ما سبق حول تقسيم تاريخ الشنانة بسكانها بين قديمها وحديثها، والفرق بين الفترتين التاريخيتين، ما كتبه سليمان الرشيد عن سكان الشنانة وعوائلها في مراحلها المتقدمة قبل القرن الثاني عشر الهجري 1200هـ، والتي ربما كانت هذه العائلات القديمة من المؤسسين لها، وكذلك أوضح الرشيد عن من سكنها من المتأخرين وعمروها فيما بعد ذلك، ومما قاله في هذا الشأن: «ومن أوائل الأسر التي سكنت الشنانة أسرة الشارخ الفوزان، والدهلاوي، وغيلان من شمر، وآل جنيزر من باهلة، وأُسر البغيليل، والضويان، والصويان من آل زهير من بني صخر، والظاهري من حرب، ثم بعد ذلك في الربع الأول من القرن الثالث عشر استوطنت فيها أسرة البلاع من الصيخان، والخليفة، والمساعيد، والسلومي، والقريش. وأما في الوقت الحاضر فأغلب سكان الشنانة من أسرة الخليفة، وقد ارتبط ذكر الشنانة مؤخراً بأسرة الخليفة»([23])، ويؤكد هذا وذاك بعض المرويات الشفهية التي تُعدد أسر وعوائل هذه البلدة ومزارعهم المشهورة بألقاب العائلات لا سيما في القديم من تاريخها.
ويمكن الرجوع إلى ملاحق هذا الكتاب لمعرفةٍ أكثر، وتفصيلٍ أوسع، عن ذكر وتعداد أبرز هذه العائلات والأسر، التي سكنت بلدة الشنانة قديماً، وقد أسهمت كثيرٌ من هذه الأُسر التي استوطنتها قديماً في بنائها وعمرانها. [انظر عن أبرز عوائل وأسر الشنانة قديماً الملحق رقم (4)].
سكان الشنانة وتاريخها الحديث
بعيداً عن جدل المصطلحات التاريخية بين التاريخ القديم والحديث، فإن تحديد ما يتعلق بقديم سكان الشنانة عن حديثها لا يدخل في هذا المصطلح التاريخي، ولذلك يمكن اعتبار تاريخها الحديث أو الجديد يبدأ من سنة (قطعة الشنانة 1322هـ) وهو تاريخ فاصل بين العمارة القديمة لها؛ بوفرة المزارع فيها والكثافة السكانية والحروب المتكررة عليها، ثم هجرات أهلها منها! وبين انتقالها فيما بعد القطعة إلى حياة جديدة شحيحة بالسكان، ومحدودة في القرى والمزارع قياساً بماضيها، لكنها حياة استقرار أكثر، في ظل وحدةٍ واستقرارٍ للدولة السعودية الثالثة.
وإذا كانت الشنانة في أول القرن الرابع عشر الهجري 1322هـ كما هي رواية الصويان عن واقع الكثافة السكانية، والحالة الزراعية الكثيرة، فإن رواية أخرى متقدمة تاريخياً وردت عن أول القرن الثالث عشر 1230هـ، وهي رواية المؤرخ فيلكس مانجان، تُعطي مؤشراً قوياً عن قِدَم تاريخها، وفيها –كما سبق- أن قتلاها عند غزو طوسون لها عام 1230هـ كان عددهم (200) رجل، وهو ما يؤكد وجود الأعداد الكبيرة والنمو السكاني بما هو أقدم بكثير من عام قطعة الشنانة 1322هـ، بل إن هذه الرواية تؤكد أكثر بأن العائلات والعشائر غير محدودة بعائلتين أو ثلاث ممن قَدِموا للشنانة قُبيل حملة طوسون باشا! كما يدل على كثافتها السكانية المتقدمة بأن كان بها مسجدان جامعان في آنٍ واحد حسب رواية الشيخ إبراهيم بن ضويان، بأن الشنانة كانت عامرةً تُصلى فيها جُمعتان إلى أن نزلها عبدالعزيز بن متعب الرشيد سنة 1322هـ([24]).
وفي الوقت ذاته فروايات مانجان عنها، تؤكد تضحيات أهاليها في سبيل وحدة الدولة السعودية الأولى، وهم بهذا قد دفعوا الثمن غالياً قبل وقعة الشنانة بحوالي 90 عاماً! وفي وثيقة نسب السلومي -كأنموذج- ورد مقتل ناوي بن هويشان على يد عسكر طوسون([25]).
وتأتي الأهمية في رواية الصويان ومانجان السابقتين عن هذه البلدة، أن تاريخها القديم تقريباً عامرٌ من حيث السكان والعمران والزراعة وأنها واحةٌ خضراء حسب وصف مانجان! وأن ذلك يختلف كثيراً عن عهدها الحديث، حيث قلة السكان ومحدودية المزارع والبيوت.
وعن أبرز عائلات الشنانة وسكانها، خاصةً فيما بعد تاريخها المتقدم، قُبيل قطعة الشنانة وبعدها، قال الشيخ عبدالله بن سليمان السلومي -بشيء من التفصيل التاريخي-: «قدم جَدُّنا هويشان كما هو معروف عند العائلتين, وكانت الشنانة السفلى (القديمة) عامرة ببعض العائلات المشهورة آنذاك، ووصل خليفة بن منيع إلى الشنانة فيما بعد ذلك([26])، وتحديداً إلى ظلما، وكان الشوارخ مالكين لأرض (ظلما) شرق شِعيب الشنانة الشرقي([27])، وقد أقطع الشوارخ قبالتها يعني جنوبها لخليفة بن منيع، وحدث بعض النزاع بين خليفة والشوارخ فيما بعد، أدى إلى رحيل الشوارخ إلى أرض ما سمي بعد ذلك (المطية)([28]) التي استقر بها الشوارخ وزرعوها واستوطنوها([29]).
وكان نزوح جد الخليفة خليفة بن منيع وجد السلومي هويشان من أُشيقر بعد أحداثٍ وصراعات بين المشارفة من بني تميم حوالي عام 1185هـ، ومما يؤكد تاريخ هذا القدوم تواريخ حروب المشارفة والدماء فيما بين بعضهم، ومع غيرهم حسب كثير من الروايات التاريخية([30])، وتُعدُّ السنوات العمرية للأجيال من الأسرتين من عوامل صحة تحديد تاريخ القدوم للشنانة، إضافةً إلى ما ورد في وثيقة نسب سليمان بن ناصر السلومي، وما فيها عن قدوم جده هويشان وخليفة بن منيع([31])، ثم ما ورد في وثيقة نسب خليفة ووصوله للشنانة بأنه عام 1200هـ تقريباً، وكل ذلك أو بعضه مما يحدد تاريخ القدوم لعائلتي الخليفة والسلومي، وقد تُعد العائلتان من مخضرمي الفترتين التاريخيتين، حيث أدرك أجدادهما آخر الفترة التاريخية الأولى القديمة للشنانة، ثم عاش الأحفاد الفترة الزمنية الثانية الحديثة، حيث إعادة إعمار الشنانة بالمباني والمزارع.
والأهمية هنا عن ما سبق، هو قِدَم البلدة، وأن عائلتي السلومي والخليفة من أشهر عائلاتها، لا سيما في فترتها التاريخية الثانية بعد قطعة الشنانة كما يُعبِّر كبار السن، كما أن ما سبق يؤكد على أنها كانت عامرة قبل تاريخ 1200هـ بعقود زمنية كثيرة من السنوات مما يُضاعف من مسؤوليات الباحثين والمهتمين بالشأن التاريخي لمعرفةٍ أكثر عن هذه البلدة.
قرى الشنانة الحديثة
بعد رحيل معظم أهل الشنانة القدامى -ممن ورد ذكر أكثرهم في الملحق الرابع- بعد (قطعة الشنانة) على يد ابن رشيد عام 1322هـ أصبحت البلدة، بقراها الحديثة في أعالي القديمة (جنوبها)([32]) وتتكون من أربع قُرى صغيرة (البلطانية، البلَّاعية، الريدين، الجُديِّدة).
وكانت (البلطانية) التي أنشأها محمد بن علي بن سليم من العجمان، ويُلقب بلطان، وتُعد من القرى والمزارع التي ظهرت أكثر بعد غزو طوسون باشا وأخوه إبراهيم، وذلك عام 1235هـ حسب سليمان الرشيد، وتنامت أكثر بعد قطع نخيلها بسنة أو سنتين، وانتهت الحياة فيها بعد أمطار وسيول، تهدم بسببها معظم بيوتاتها، وانتقل أكثر أهاليها إلى القرى الأخرى المجاورة لها، التي ظهرت ونمت بتمددها الزراعي والعمراني([33]).
القرية الثانية هي قرية (البلَّاعية) وأصل نشأتها القديمة، ما ذكره سليمان الرشيد؛ أنها نشأت وبُدع القليبُ في الربع الثالث من القرن الثالث عشر تقريباً يعني حوالي عام 1275هـ، ومن المرجح أن يكون تاريخ نشأتها متأخراً بعد نشأة البلطانية بقليل، وكانت عبارة عن قليب لناصر بن صالح البلاع المشهور بابن بلاع، وذلك قبل مجيء محمد بن خليفة وأبنائه إلى أعالي البلاعية([34])، وأصل البلاعية أطلالٌ من الطين وبئر وقصر طيني لابن بلاع، وهي أطلالٌ كانت موجودة إلى وقتٍ قريب، كما أنها شاهدةٌ على عمرانها القديم، ولهذا فأصل عمران البلاعية ما يقع شمال القرية الموجودة الآن، يعني بأسفل حيطانها الحالية.
ويقول الشيخ عبدالله بن سليمان السلومي، عن عَمَار قرية البلَّاعية فيما بعد السابق ذكره: أن محمد بن خليفة بن منيع اشترى جنوب (البلَّاعية) في أول الأمر من صالح بن غيلان، حسب وثائق المبايعة المعروفة، وقد وضع فروع المحمد (حوابيط الماء ومَشَارِعْ الصيد)([35]) في هذه الأرض، وقد انتهى (القليب) القديم عندما رحل أهلها وهجروها، وظهرت بعد ذلك البلَّاعية الجديدة، المعروفة بحيطان المحمد الخليفة بفروعهم، ومعهم على الشعيب الغربي (شعيب البلَّاعية) صالح السليمان الفهد الخليفة وارثاً من جهة أمه.
والقرية الثالثة هي (الريدين) وقد زرعها أو غرس نخيلها بعض رجال المحمد (المجاهد), والسليمان (أبو شلق) والعبدالله (الحسحوس) وكلهم من عائلة الخليفة، ثم أصبحت بعد ذلك لعائلة المجاهد وعائلة الحسحوس من الخليفة، وكان بداية غرس نخيلها بعد البلاعية الحديثة.
والقرية الرابعة هي قرية (الجُدَيِّدة) بين الشعيبين، وقد ذكر قصة بناء هذه القرية كلٌ من الشيخ عبدالله بن سليمان السلومي، وأخوه صالح، والشيخ عبدالله بن محمد الصالح الحسحوس الخليفة؛ حيث قالوا عنها: كانت فكرة إقامة حلة (قرية) سكنية خالية من المزارع عام 1358هـ، وتوزيعها وتخطيطها كان عام 1361هـ وكانت بداية عمرانها وبناء مسجدها في عام 1371هـ والعام الذي يليه، وكان البناء بالطين آنذاك، وتوقف البناء بسبب الشتاء والأمطار، وأول من عَمَرَها المطوِّع عبدالله بن سليمان السلومي، وساعده في ذلك بعض الرجال من أعيان الشنانة آنذاك، وهم عبدالله (عبيد) بن سليمان البلطان، وخليفة السليمان الحويس الخليفة، ثم جاء من بعدهم علي بن راشد الخشان الغفيلي، وصالح بن سليمان الحسحوس الخليفة، وأخوه عبدالله (عبيد) وتتابع مجيء الآخرين، وقد تعاون الجميع مع المطوع عبدالله السلومي -الستاد بَنَّاء الطين بالدال المهملة- كما يُسمى آنذاك، وبنوا فيها مسجداً وحفروا بئراً (حسواً) خاصاً لخدمة المسجد والمصلين، واتفقوا فيما بينهم أن كل من يبني في هذه الأرض، يدفع لهذا المسجد مبلغاً سنوياً تعاونياً، وهو ربع رِيال لكل عشرة أبواع([36]) من مساحة أي منزل يُبنى حسب مساحة الأرض, لأن الأرض ليست زراعية فكان هذا النظام التعاوني، نوعاً من أنواع التنمية المستدامة لصالح المسجد، ولم يكن هذا بصورة الوقف، بقدر ما هو عمل تعاوني لصالح المسجد إذا احتاج إليه([37])، وكان قد كتب المطـــــوّع سليمـــــــان بن ناصر السلومي، إحدى أوراق ذلك الاتفــــاق ووُثِّق بعد ذلك من قبل قاضي الرس آنـــــذاك محمد بن رشيد، بل وحكمت المحاكم الشرعية فيما بعد ذلك بعدم الوقفية لأرض هذه القرية قناعةً من القضاء بأن ما فعلوه كان للمسجد، ولا يخرج عن كونه عملاً تعاونياً فيما بينهم، كما هو في الوثائق المعروفة. [انظر صورة وثيقة عن أرض الجُديدة والتعاون المجتمعي، وصورة من الصك الشرعي المميز من محكمة التمييز عن عدم ثبوت الوقفية الملحق رقم (5) أ-ب].
أنموذج من العمل التعاوني
التعاون فيما بين جماعة القرى والبلدات، هو السمة الأساسية للإنتاج قبل عصر (الوفرة والاستهلاك)، وقبل معرفة العمالة والعمال المُستقدَمين، وأهالي الشنانة من النماذج -مثل غيرهم آنذاك- في هذا الشأن، والعمل التعاوني يُعدُّ من سمات الاستقرار، ومما يُحقق الأمن الاجتماعي بين الناس، وهو بالتالي ما يُعزَّز أمن الدولة ووحدتها وقوتها.
لقد أدركتُ بنفسي زمن طفولتي وبداية شبابي صور التعاون فيما بين الأهالي في حفر آبار المزارع، وآبار المنازل (الحساوة) والعمل المشترك في زراعة الأراضي بالنخيل، وحرث الأرض لزراعتها بالخضار والقمح (المعية) وغير ذلك، وشراكتهم التعاونية في حصاد الزروع ودوسها وذريها في حزوم الصفا المتساوية، بطرقهم البدائية مثل الدوس للحبوب بأقدام البقر والإبل في بعض البلدات، ومثل دق الحبوب بالكابون (وهو مطرقة خشبية ثقيلة) ثم تطور دوسها بعجلات الدركترات الزراعية فيما بعد ذلك بعمل تعاوني فريد، وكذلك التعاون فيما بينهم، في بناء مساجدهم وبيوتهم الطينية، وجني التمور (الجِداد) بعمل مشترك ينتقلون فيه من مزرعة إلى مزرعة، أيام جِداد التمر حتى النهاية، وكذلك يفعلون في وقت السيول فيما بينهم، لخدمة تصريف السيول إلى مزارعهم بشكل تعاوني، كما يتعاونون في الاحتطاب وجمعه في شحنات على السيارات، لكل واحد منهم شحنة، وكذلك في الاتفاق حول من يرعى أغنامهم من أهالي البادية، يتم توظيفه بشكل جماعي للقرية مقابل نصف ريال أو ريال عن كل رأس من الغنم شهرياً، وتتجلى صور العمل التعاوني في ما يسمى (قهوة الجماعة) حيث يُزوِّدها الجميع بما تحتاجه من مواد القهوة والشاي وغير ذلك، لتحقيق الاجتماع فيما بينهم وإكرام ضيوفهم، وهذه الأعمال التعاونية، تنسجم مع قيم الإسلام، وهي قيم وأخلاق تُعزِّز الأمن الاجتماعي، وتُقوي السِّلم بين الناس عامة، كما تبني العلاقات الأخوية والعائلية والاجتماعية.
وحول بناء قرية الجُديدة، وما في البناء من صور التعاون، فقد تم تحديد الموقع بين الشعيبين، وكانت مبادرةً واقتراحاً من خليفة المنيع الحسين، وعبدالله المحمد، وسليمان بن ناصر السلومي، وقام بتنفيذ هذه المبادرة والاتفاق المطوع عبدالله بن سليمان السلومي ومن معه كما سيأتي، وقد أدركت أنا شخصياً إلى وقتٍ متأخر كيف كان بعض الناس ممن يرغب البناء في أرض هذه القرية، يستأذنون من المطوع في البناء، وذلك قبل وجود البلديات والتنظيمات الإدارية!
وعن هذا كتب الشيخ عبدالله بن محمد الصالح الحسحوس الخليفة([38]) وعن ذكرياته للمؤلف حول (العمل التعاوني الخيري) في هذا البناء وغيره مما كان سائداً بين الناس، فقال عن فكرة بناء قرية الجُدَيِّدَة بالشنانة ودوافعها: «كان مع عبدالله بن سليمان السلومي بهمته العالية المعروفة مجموعة من شباب الشنانة في قرية البلطانية وقرية البلاعية، وقد ضاقت بهم بيوتهم الطينية الصغيرة فيها، لأن البيت يتكون من حجرتين أو ثلاث حجرات فقط، حجرة لنوم الوالدين، وحجرة للبنات، وكان الشباب يبيتون مجتمعين خارج الدار في (الشعيب) المجاور، أو في حجرة العلف، أو سطح الدار، أو في المسجد، خاصةً في غير الشتاء، حيث لم يكن في غالب البيوت مجالس للرجال، أو قهوة مستقلة لكل دار، فمجلس القرية هو مكان القهوة، وهو في الغالب محل واحد للقرية كلها، وضيف القرية أو ضيف أي واحد من أهلها يتجه للمجلس العمومي، فمثلاً في قرية البلطانية والتي لا زالت آثار مبانيها قائمة يوجد فيها مجلس كبير يسمى (قهوة الجماعة) وفيه (وجار) وهو مشب للنار، وفيه (معاميل) وهي دلال وأباريق يستخدمها الجميع، والضيف لا يجد غضاضة في التوجه إلى ذلك المجلس العمومي، حيث يوجد الشيبان كبار السن فيستقبلون الضيف، ويأخذون علومه -كما يقولون- ويقومون بواجب الضيافة له، وقصص الإيثار بين أهل الشنانة معلومة وكثيرة، فالفقر والجوع وقلة ذات اليد يعاني منها الجميع، وغالباً كانوا يُقــدمون للضيف وجبتهم أو ما لـديهم من طعام وقد يبِيتُون جياعاً».
وأضاف الشيخ عبدالله الخليفة للمؤلف، عن قوة الإرادة التي صنعت شيئاً كثيراً من قِبَلِ شباب الشنانة قديماً مُذكِّرا أجيال اليوم، وموجِّهاً لهم رسالة بعنوان: (إلى شباب اليــوم في صنــاعة المستقبل) فقال: «في بيئة من الفقر والحاجة والإيثار، ومع بلوغ شباب الشنانة سن الزواج، وبيوت أهاليهم غير مؤهلة في السعة، ولا تتسع لزوجاتهم مع أهاليهم، جاءت فكرة عند الشيخ سليمان السلومي وابنه عبدالله ثم رفاقهما، وهي إنشاء مساكن لهم في أرض فراغ، خارج أرض قرية البلطانية والبلَّاعية، ولكن يصدق عليهم في هذا المقام قول الشاعر: (قرب الشفاء وما إليه وصول) فالتحديات كبيرة، لكن العمل التعاوني في ذلك الوقت قيمة محترمة ومقدرة من الجميع، وقد تجاوز أهل الشنانة، مثل معظم الناس في ذلك العصر، كل التحديات المتعلقة بالنفقة، أو البناء أو الزواج، بالرغم من أنهم لا يجدون لقمة العيش، والبعض منهم ثيابهم مُرَقَّعَة، وَهَمُّ الزواج يدق طبوله، وقد تجاوزوا هذه العوائق واتفقوا بقيادة الشيخ عبدالله السلومي على إنشاء حي أو قرية سموها (الجُدَيِّدَة) فمنهم من يُحضِر الطين، ومنهم من يُخَمِّره بالتبن، ومنهم من يصنع لبنات الطين للبناء، وهم عصبة كفاح متعاونون، يعملون جميعاً لصالح الجميع، فهم يعملون لأحدهم مثلاً يوم السبت، ويوم الأحد عند الثاني، ويوم الاثنين عند الثالث، وذلك بغرض أن يجف جدار الأول وتجف لبنات الطين، ثم يرجعون إلى كل واحد حسب السابق حتى يسقفوا منازلهم بخشب الأثل وجريد النخيل (سعفها)، وكان من هؤلاء البَنَّاء الماهر (الستاد) ومنهم النجار، ومنهم الماهر في صعود النخل لقطع جريدها، وكان أهل المزارع يفرحون بذلك إعانةً منهم للمحتاجين، وللتخلص من ذلك الجريد، وقد قامت المساكن أو البيوت بدون خسارة، ولا مواد مستوردة أو مشتراه، بل ولا أجرة عُمَّال، وبنوا بهذا العمل التعاوني مسجداً للقرية كما قاموا بحفر بئر للمسجد، وبهذا التعاون التطوعي، حَلُّوا مشكلة كبرى كانت تواجه الشباب في ذلك الزمن وهي مشكلة السكن، وبعد سنوات وسَّعَ الله على أهل هذه القرية (الجُديِّدة) أرزاقهم وصار لهم زوجات، وبنون وبنات، وإسهام في فعل الخيرات في هذا الوطن المبارك، والدرس المأخوذ من هذا لشباب اليوم؛ أن يعرفوا كيف تجاوز آباؤهم وأجدادهم تحديات الحياة، وظروفها الصعبة بالعمل والإنتاج، وليعلم شباب اليوم أن حياة الرفاهية الاستهلاكية، أسهمت في تقليل عزائمهم، ومن نتائجها أن الخمول قد غلب عليهم، فصار النوم نهاراً، والسهر ليلاً إلا من عصم الله».
وفي القراءة عن الوجه الآخر لهذه الأعمال التعاونية؛ يتضح حجم التنمية في البناء والعمران والزراعة بعد قطعة الشنانة، وأن عودة الحياة أصبحت من جديد لهذه البلدة بعد الخراب والتخريب الذي تعرضت له، وفي جميع الأحوال، فإن هذا التعاون المجتمعي مما عزَّز الوحدة، أو هو من ثمراتها على النفوس أفراداً ومجتمعات.
المطوِّعون([39]) ومساجد الشنانة
تأتي أهمية هذه الفئة ودورهم في مجتمعاتهم القُروية بأنهم المرجعية الشرعية للأهالي في إمامة المساجد والاحتساب. كما أن لهم جهوداً أخرى في الخدمة الاجتماعية في عموم القُرى والبلدات، وتزداد أهمية بعض هؤلاء من خلال جهودهم وأدوارهم في التوطين الفكري العقدي؛ بنشر المنهج السلفي بين قبائل البادية، وتوطين كثيرٍ منها لتسهيل السيطرة عليها، بتفويت فرص استغلال الأعداء لهم، كما حدث منهم في الدولة السعودية الأولى والثانية، وهو المشروع الكبير الذي عزِّز أمن البادية مع الحاضرة، ووحَّد الجانب الفكري التعليمي والدعوي بين الحاضرة والبادية، لا سيما حينما صَحِبَ عملية التوطين العمراني، فأسهم بصورة مباشرة وغير مباشرة، في خدمة الجانب السياسي، والتفاصيل عن هذا كثيرة حسب الوثائق الأجنبية([40]).
ومما هو معلوم في الكتابات التاريخية، أن هناك تداخلاً بين أدوار كل من المطوِّعين (المطاوعة) والمحتسبين، نظراً إلى أن كل محتسب مطوِّع في الغالب، والعكس كذلك كل مطوِّع يُعد في الغالب محتسباً، وكل ما نستطيع أن نقوله عن مطاوعة الشنانة: هو ما وصلنا عن المرحلة التاريخية التي كانت بعـد (قطعة الشنانة) تقريباً، لكن ما قبل ذلك غير معروف، خاصة عن مطاوعة (أئمة) جامع الشنانة المجاور للمرقب، وترتيب أبرز هذه المساجد حسب تاريخ عمارتها كالتالي:
- جامع المرقب:
لا تزال آثار جامع الشنانة (الحدرية) قائمة حتى منتصف عام 1432هـ حينما هُدم ما بقي من أطلاله، وأعيد بناؤه على نفقة المحسن عبدالعزيز المحسن الخليفة، ويؤكد سليمان بن عبدالله العميري، أن هذا المسجد الجامع المجاور للمرقب، الواقع في الشمال الشرقي منه، لم يكن أئمته معروفين عنده ولا عند أجياله ممن عاصرهم من أهالي بلدة الشنانة، وهو دليل إضافي على قِدم تاريخ البلدة، وقد ذكر صالح بن عبدالله الفلاح([41]): أن سليمان بن ناصر السلومي وقف معه شخصياً على أطلال هذا المسجد المجاور للمرقب، وهو مسجد الشنانة (الحدرية)، وقال لي: إن جدكم صالح بن عبدالله الفلاح كان إماماً لهذا المسجد، ثم ابنه سليمان الملقب أبو فلاح إماماً بعض الوقت، ثم انتقل سليمان الفلاح هذا إماماً للمسجد الآخر، المسمى مسجد العلوه زمن والده.
- مسجد العلوة – الشنانة الوسطى:
يذكر صالح بن سليمان السلومي أن (أبو فلاح) سليمان بن صالح بن عبدالله بن فلاح (1270-1356هـ)([42]) كان إماماً لمسجد الشنانة الوسطى المسماة (العُلُوّه)([43]) الذي بُني عام 1299هـ وهو جنوب غرب مزرعة الحوثل الخليفة، ويُعدُّ أبو فلاح من أبرز الأئمة الذين اشتهروا بإمامة هذا المسجد لفترة طويلة من الزمن، ويظهر من التواريخ أنه كان الإمام الثاني لهذا المسجد، وكان مسجداً جامعاً لأهل الشنانة وكذلك لأهالي المطية يأتون إليه للجمعة قديماً، وهذا يؤكد الرواية السابقة من حفيده الأستاذ صالح بن عبدالله الفلاح، كما يذكر حفيده الآخر إبراهيم بن عبدالله الفلاح، وهو من أساتذة التربية والتعليم سابقاً: أن جدهم (أبو فلاح) كان في إمامة مسجد العلوة الشنانة، حيث كان إماماً ومطوِّعاً، وقد كان معلماً في هذا المسجد، وتخرَّج على يده كثير من التلاميذ، وكان كذلك من المطوِّعة المحتسبين.
ثم جاء من بعده ابن عمه صالح بن محمد الفلاح، الملقب (بقايا) (1360-1394هـ)، وكان حافظاً لعشرة أجزاء من القرآن، وكان إماماً للرواتب وليس للجمعة، حيث كان المطوِّع خليفة المحسن المنيع الخليفة، إمام مسجد قرية البلطانية المجاورة، يخطب الجمعة في هذا المسجد، زمن إمامة صالح بن محمد الفلاح، كما أن سليمان بن ناصر السلومي، كان يخطب فيه أحياناً في فترات إقامته في الشنانة.
وقد ذكر كُلُّ من سليمان بن عبدالله العميري، وصالح بن سليمان السلومي([44])، ومحمد الراشد السوية الخليفة، ترتيب مطاوعة هذا المسجد، الذين تناوبوا على إمامته كالتالي:
الأول: رميح بن سليمان بن حمد الرميح([45])، والثاني: سليمان الصالح الفلاح المكنى أبو فلاح، والثـــالث: عبدالله بن رميح بن سليمان الرميح([46]) أخـــو عبدالرحمن الملقب (البريمي)، وكان ينوب عنه في صلاة الجمعة سليمـــان بـن ناصــر الســـلــــومي حينما كـــان إمـــامـــاً لمسجــــــــد البــــلاعية قبل أن يكون جامعاً، وكذلك كان خليفة المنيع المحسن الخليفة، حينما كان إماماً لمسجد البلطانية المجاورة، كما ناب عن هذا الثالث كذلك عبدالله بن سليمان السلومي بعض صلوات الجمعة، وكانت إنابته قليلة، حسب ما ذكره عبدالله السلومي عن نفسه، والرابع من أئمة هذا المسجد، وهو الأخير من الأئمة صالح بن محمد الفلاح الملقب (بقايا)، وكان لإمامة الأوقات الراتبة، وذلك حينما تحول هذا الجامع إلى مسجد عادي، وكان مؤذناً فيه كذلك، وقد انتقلت صلاة الجمعة من هذا المسجد إلى مسجد البلاعية، الذي لم يكن جامعاً في أول أمره، وكان من أبرز مؤذني هذا المسجد إن لم يكن هو الأول محمد بن عبدالرحمن البلي (1245-1265هـ) لمدةٍ طويلة، وقد أُعيد بناء مسجد العلوة هذا من قبل أحد المحسنين من بلدة المذنب وفق تصميمه القديم.
- مسجد البلطانية:
لا يُعرف تاريخ نشأة هذا المسجد تحديداً، وإن كان في الغالب أنه بُني مع نشوء قرية البلطانية عام 1235هـ حسب سليمان عبدالله الرشيد، وكان ظهورها بعد حملات باشوات مصر على الشنانة والرس، وازداد نمو سكانها بعد غزو ابن رشيد للشنانة وقطعه لنخيلها، ولم يكن هذا المسجد جامعاً، فقد كان جماعة البلطانية يُصَلُّون الجمعة في مسجد العلوة، ولما انتقلت الجمعة إلى مسجد البلاعية، انتقلوا للصلاة هناك، وأبرز أئمة هذا المسجد هو خليفة المنيع المحسن الخليفة، وهو الأول، والثاني عبدالله بن سليمان السلومي، والثالث عبدالله (عبيد) بن محسن الخليفة([47]).
- مسجد البلاعية:
كان أئمة مسجد البلاعية؛ مسجداً ثم جامعاً، كما هو معلوم لدى كبار السن من الأهالي، حسب الترتيب التالي، وهم جميعاً ممن وافتهم المنية، رحمهم الله:-
- سليمان بن ناصر السلومي وإمامته كانت حوالي اثنين وعشرين عاماً أو تزيد قليلاً (1342-1363هـ).
- خليفة المنيع المحسن الخليفة، إمام مسجد البلطانية سابقاً، وكان خطيب الجمعة في مسجد الشنانة الوسطى (العلوة)، ثم صار إماماً لجامع البلاعية بعد سليمان السلومي.
- محمد بن منيع بن خليفة بن حويس الخليفة.
- عبدالله (عبيد) المجاهد الخليفة.
- سليمان بن فلاح بن محمد الفلاح المتوفى عام 1422هـ([48]).
- مسجد الجُديِّدة:
وهو من أحدث المساجد المذكورة سابقاً، وقد تم بناؤه مع تأسيس وبناء القرية عام 1371هـ، على يد المُطَوِّع عبدالله بن سليمان السلومي، ومعه بعض الأهالي، وقد تم بناؤه بالطين وسُقِفَ من خشب الأثل وسعف النخيل، كما هي المباني في ذلك الزمن، وكان الستاد للبنَاء -بالدال- هو عبدالله بن سليمان السلومي كذلك، كما كان هو الإمام لهذا المسجد محتسباً السنوات الأولى لأكثر من عشرين عاماً في تطوعه بالإمامة دون راتب أو مكافأة، حتى تم ضمه لقائمة مكافآت الأئمة والمؤذنين دون طلبه، وبقي في الإمامة إلى عام 1431هـ، ملازماً لها لأكثر من 60 عاماً مع تحفيظ القرآن للصغار والكبار، وأعمال التطوع والاحتساب، والتوجيه والإرشاد داخل القرية وخارجها، ومنسقاً للدعاة القادمين من خارج الرس.
وكان المؤذن لهذا المسجد في سنواته الأولى حوالي خمسة عشرَ عاماً؛ منيع المحمد الحسين الخليفة الملقب (عوجان) وكان محتسباً متطوعاً كل هذه الفترة بالآذان، وأصبح المؤذن بعد الترسيم الوظيفي هو علي بن عبدالله (عبيد) بن محمد الخليفة إلى وفاته.
وكان قد تم هدم المسجد الطيني، وبناؤه بالمسلح حوالي عام 1402هـ، بدعمٍ مالي وقفي من علي بن محمد الحوثل الخليفة، كما تم بناء بيوت المسجد من قبل عبدالرحمن بن سليمان السلومي؛ لتعزيز وظائف الإمامة والآذان.
وبقراءة يسيرة لتلك الفترة التاريخة، يجد القارئ أن من أدوار المساجد تعزيز الأمن المجتمعي، ووحدته الثقافية، حيث يصعب اختراق المجتمع الموحَّد، أو زعزعة أمنه واستقراره، فاتحاد القلوب والأفكار، مما يؤدي إلى اتحاد المجتمعات والأوطان.
أمَّا هؤلاء المطوِّعون الذين خدموا في هذه المساجد، ومن يُماثلهم خاصةً في نجد والقصيم، فقد كانت مستوياتهم العلمية، وأدوارهم التعليمية وجهودهم التطوعية، مختلفة قوةً وضعفاً فيما بينهم، كما أن قُدرات بعضهم العلمية والتطوعية أهَّلتهم لإرسالهم إلى الهِجَر([49]) للاستقرار فيها كما سيأتي بسط الحديث فيه، لغرض الإسهام في توطين قبائل البادية، من خلال توطين العلم والمعرفة، والعقيدة الصحيحة، ليكونوا جزءاً رئيساً من نجاح مشروع الهِجَر، كما هو معلوم في المصادر التاريخية، عن مشروع التوطين([50]).
وإسهام الشنانة بمطوعين إلى خارجها، مع بعض البلدات والبوادي، مما يدخل ضمن برنامج التوطين، ومن أبرز شخصيات تلك المرحلة: المطوِّع محمد الصالح (الحسحوس) الخليفة، الذي ذهب إلى بلدة قديد قرب مكة، وقبلها كان ضمن جيش الأمير فيصل بن عبدالعزيز في جنوب المملكة، وكذلك كان من أبرز المطوِّعين: سليمان بن ناصر السلومي، في كل من مسكة وضرية ومهد الذهب وغيرها من المحطات الدعوية، وله ترجمة خاصة به، وعموم الأسماء الواردة هنا مما يعكس مدى الخيرية وحب الاحتساب لدى هذه الأسر، خاصةً من وردت أسماؤهم في التطوع والاحتساب.
أبرز رجال الحسبة في الشنانة
تُشكل الحسبة أهمية كبرى في الأمن الاجتماعي للمجتمعات، وفي الفصل الخامس من هذا الكتاب تم إيراد بعض هذه الأهمية ودورها غير المباشر في وحدة الكيان، ولم تُتح المصادر التاريخية أو المرويات الشفهية معلومات عن حجم الحسبة أو عن رجالها من تاريخ الشنانة القديم، لكن مما ورد في تاريخها الحديث ارتباط اسم سليمان بن ناصر السلومي بالاحتساب تطوعاً، ليس على مستوى الشنانة فحسب، بل في الرس عموماً، وقد دفع ثمن احتسابه بإعفائه من مسجد البلاعية بعد إمامة تزيد عن (22) عاماً، كما ارتبط الاحتساب بابنه المطوع عبدالله السلومي من بعده تطوعاً واحتساباً، ودفع هو الآخر ثمن ذلك الاحتساب بمواقف كثيرة وابتلاءات مشهودة، وفي ترجمتهما المستقلة ما يوضح شيئاً عن قوة هذا الاحتساب وأثره، وكان لهم أعوان وأنصار وتلاميذ نفع الله بهم جميعاً في بلدتهم الشنانة.
وعن شيء من هذا كتب الشيخ عبدالله بن محمد الصالح الحسحوس الخليفة في ذكرياته ومشاركته للمؤلف، لا سيما عن بعض الصفات لدى أهل الشنانة وحبهم للقرآن واحتساب بعضهم، وتفرغ كثير منهم للعلم وحفظ القرآن برغم الأحوال الصعبة للحياة آنذاك، فقال: «ذهبتُ قديماً للشنانة، وذلك للسلام على الأقارب، وكان وصولي ليلاً، ولم تكن الكهرباء موجودة، فالقرية تنام بعد العشاء، وقد رأيت في نافذة مسجدهم نور السراج أو الفانوس في ذلك الوقت، فأوقفت السيــارة ونزلت منها، فسمعت تلاوةً للقرآن في هذا الليل البهيم المظلم، الذي لا يشهده إلا الله، وقد انتهوا من أعمالهم في النهار، وهي أعمال شاقة! فمنهم من يحتطب ويبيع، ومنهم من يحش (يحصد) الأعلاف ويجمعها من البراري، ومنهم من يسوق الإبل لسقي الزراعة، ومنهم من يرقى النخيل للإصلاح والتركيب والتلقيح والتشييف والجداد وهو صرم التمور، فإذا غابت الشمس ألقوا ما في أيديهم واتجهوا للمسجد، وكان الشيخ عبدالله بن سليمان السلومي، يحتسب ويتطوع ويجلس لهم مُعَلِّماً للقرآن بدون ملل ولا أجرة، وكان يعاتب المتأخر منهم، ومن هؤلاء من يحضر للمسجد من قرية أخرى، مثل سليمان العميري، وسليمان المحيميد الخليفة، وغيرهم يتجشمون الظلام في طريق بري يتخلله أودية وأشجار وحُفر».
ومن الذين اشتهروا بالحسبة دون مكافآت أو وظائف في قرى الشنانة باختلاف بينهم في مستويات القوة والضعف الأسماء التالية: المحتسب مجاهد الصالح الخليفة، وهو الذي سكن مزارع (الريدين) مع أولاده. ومحمد الصالح (الحسحوس) الخليفة في الشنانة، ثم في هجرة قديد بين مكة والمدينة، ثم في الرياض إماماً لجامع مطار الرياض القديم. وكان قد سكن الرياض آخر عمره. وسليمان الصالح الفهد الخليفة. وسليمان المحيميد الخليفة. وصالح المجاهد الخليفة. وعبدالله (عبيد) العبدالعزيز(الحسحوس) الخليفة. وخليفة السليمان (الحويس) الخليفة.
والأسماء الخمسة الأخيرة من تلاميذ المطوع عبدالله بن سليمان السلومي في حلقة تلاوة وحفظ القرآن، كما أنهم ضمن مجموعة الاحتساب وطلب العلم مع شيخهم هذا.
شجاعة أهل الشنانة وكرمهم
يقول محمد بن سليمان الصويان عن شجاعة أهالي الشنانة: «يتميز أهل الشنانة بالشجاعة والبطولة، واستبسالهم في دفاعهم عن الأرض, ومن ذلك مشاركتهم إخوانهم أهل الرس في مقاومة الأتراك أثناء حملة طوسون باشا على نجد, وحصار الشنانة والرس عام1230هـ([51]), ثم حملة إبراهيم باشا عام1232هـ, كذلك استطاعوا مقاومة اعتداءات البدو وسطوهم [من ذوي السلب والنهب]، وصمد أهلها دائماً في وجه المعتدين, وجانب الشجاعة والصبر تشهد به أحداث موقعة الشنانة المشهورة, حيث تعرض أهلها للاضطهاد بسبب دفاعهم عن أنفسهم وأموالهم، واستبسالهم ومساندتهم للمؤسس الملك عبدالعزيز، لدرجة أن المعتدين ضربوا بعض رجالها حتى الموت، لإصرارهم على المقاومة والدفاع عن النفس والأرض»([52]).
ويقول الصويان عن أهالي الشنانة: «وكان أهل الشنانة يجتمعون جميعاً وحينما كان الناس– خاصة البادية- يغزو بعضهم بعضاً للسلب والنهب, وكان أهل الشنانة وأهل البلاعية وأهل المطية عند (فوزة)([53]) مزرعة الصويان, ثم يجعلون أحدهم أميراً لهم، وآخر رقيبة يعني [مراقباً], ثم يذهبون إلى البر لجلب الحشيش [للغنم والأبقار والإبل]، وفي إحدى المرات عندما أقبلوا حول القشيع, وهو ضلع [جبل صغير] جنوب الشنانة (يبعد حوالي ثلاث ساعات للماشي)», وكان الوقت حوالي الفجر، سمعوا صوت طبقة الخيل([54]), فاتجهوا إلى ضلع قريب ليزبنوه, وكان هناك حوالي (70) خيَّالاً مقبلين عليهم, وإذا (سابق تطبخ من مرابع النجوم)([55]) كانت أول الخيل المقبلة، وكان مع ابن بلاع بندقية (مارتين) [ويبدو أنها اسمٌ معروف لهذا النوع من السلاح], أُشترُيت له من الكويت بمائتي ريال, فأطلق الرصاص على الفرس فسقطت وسقط فارسها، وكان من نتيجة ذلك أن خاف الغزاة وانكسروا؛ لأن البدو لم يكن معهم سلاح تلك الأيام, فقال أحدهم: «يا حضر! ترانا شمَّر على الخير والشر، وعليكم الله وعهد الله، ولا تجونا ولا نجيكم» قال أهل الشنانة: «إيه, ابعدوا ورآكم ولا تجونا ولا نجيكم»، وبالفعل ذهب البدو عنهم, فقال أهل الشنانة لبعضهم: «سوف نعود الآن إلى ديرتنا، وفرحوا بالنصر»([56]).
وربما كانت هذه الشجاعة رصيداً لدى أهالي الشنانة، عند استهدافهم سياسياً وعسكرياً زمن الدولة السعودية الأولى، وزمن السعودية الثالثة خاصةً في وقعتها المشهورة.
– من صور الكرم:
قَدَّم أهل الشنانة الضيافة لابن رشيد، كما وَرد في بعض الروايات التاريخية –سابقة الذكر-بالرغم من دخوله للشنانة بلغةٍ عسكرية معادية، ومنها رواية ابن صويان شاهد العيان، وما ورد من كرم أهل الشنانة مع عدوٍ مُحاصِرٍ لهم أو معتدٍ عليهم ظلماً وعدواناً، يُعدُّ من أعلى درجات الكرم، وواقع (القهاوي المفتوحة)([57]) لكثير من أهاليها فيما بعد يدل على الكرم أيضاً.
ومن الامتداد التاريخي لتلك القهاوي المفتوحة، يعني بعد قطعة ابن رشيد، (قهوة عبدالله السليمان العميري) في مزرعته بالشنانة الحدرية، وهي من القهاوي المشهورة بالشنانة، ومنها (قهوة سليمان الفهد السليمان الخليفة) عمدة الخليفة وحكيم الشنانة حسب وصف عبدالله بن سليمان السلومي في زمنه، وهي في البلاعية، و(قهوة المحسن العمومية بالبلطانية) كمجلس عمومي للقرية، ومن القهاوي المشهورة (قهوة سليمان بن ناصر السلومي بالبلاعية) وكانت مشهورةً في زخرفتها وتزيينها وخدمة التهوية فيها، مما كان يلفت نظر زوارها، ومن قهاوي البلاعية (قهوة عبدالله بن منيع الخليفة المعروف بالرداحي)، و(قهوة محمد السليمان الحويس الخليفة) وكذلك (قهوة صالح الخليفة المحمد الخليفة بالبلاعية)، و(قهوة المجاهد بالريدين). ومن القهاوي المفتوحة فيما بعد ذلك إلى زمن قريب (قهوة عبدالله بن سليمان السلومي بالجُديِّدة) التي اشتهرت الشنانة بها بعد استحداث وعِمارة قرية الجُدَيِّدة، وكذلك (قهوة صالح بن سليمان السلومي بالجُدَيِّدة). وهذه أبرز القهاوي المشهورة وليست كلها.
وقد كَتَبَ عن بعض جوانب كرم أهل الشنانة عبدالله بن محمد الصالح الحسحوس الخليفة -فيما سبق- وَوَصَفَه بالعمل التعاوني الخيري، وفيه وَرَدَ عن مجلس القرية العمومي (القهاوي) لدى أهاليها التي كانت رمزاً لاجتماع قلوبهم وأبدانهم لما فيها من صور التراحم والتعاطف والإخوَّة وصفات التسامح، وتُعدُّ هذه القهاوي في زمنها أشبه بمؤسسات المجتمع المدني من حيث الأثر النفسي والاجتماعي لروادها، وما فيها من صور التعاون والترابط الأسري والمجتمعي، وما تعكسه من تحقيق حالات الأمن الاجتماعي، وهي من الشراكة المجتمعية، كما هو الحال في أهداف مؤسسات المجتمع المدني المعاصر.
– قصةٌ من الشراكة:
كتب الشيخ عبدالله بن محمد الصالح الحسحوس الخليفة للمؤلف عن بعض الذكريات التي سمعها من والده عن الأهمية الكبرى في الشراكة لتحقيق الوحدة العقدية الفكرية والأمن الاجتماعي في أرجاء الجزيرة العربية، وقد كان والده من المجاهدين والمطوِّعين في آن واحد، فقال: «ومن فقه الملك عبدالعزيز حرصه على نشر التوحيد خاصة بعد ضم الحجاز، وقد كان فيه بعض الجهل في العقيدة، وقد طلب الملك عبدالعزيز من المفتي تعيين بعض طلبة العلم وتكليفهم بالدعوة والإرشاد في الحجاز، فجرى اختيار الشيخ إبراهيم الراشد الحديثي لمنطقة عسير، واختيار الشيخ محمد العثمان بن خزيم لمنطقة عسفان قرب مكة، واختيار الوالد محمد الصالح الخليفة لمنطقة (قديد) في الحجاز قرب رابغ، وقد واجه الوالد بعض الصعوبات فيها؛ بسبب بعض المظاهر الشركية المتوارثة فيها من آثار مناة الثالثة الأخرى التي ورد النهي عن عبادتها في القرآن الكريم، وقد اعتذر من الذهاب إليها بعض طلبة العلم الذين وقع الاختيار عليهم لعدة أسباب منها:
تخوفهم من القرية وعدم استجابة الناس لهم، وتخوفهم من أن العلم الذي عندهم لا يؤهلهم لممارسة الدعوة، ثم تخوفهم من عدم إعطائهم صلاحيات في الدعوة والإصلاح من قِبَلَ الملك.
فطلب الملك عبدالعزيز الاجتماع بهم، وجلس هو وإياهم على الأرض بدون كراسي أو فرش يوم ذاك، وقال لهم: لماذا لا تذهبون إلى تلك الديار؟ فاعتذروا بنقص علمهم، ولكنه بذكائه وفطنته أدرك تخوفهم من قلة المناصر لهم، فوقف على ركبتيه وفرك يديه ببعضها وقال: ويلي منكم يا أهل نجد، ما تعرفون تُعلِّمون الناس قل هو الله أحد، مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، وأنا معكم، ففرحوا بوعده لهم وقد شد من عزائمهم، فاستجابوا وتوجهوا للجهات التي خُصِّصت لهم، وكان عبدالعزيز يتواصل معهم ويراسلهم، ولا يسمح لهم بإجازات إلا بإذن خطي شخصي منه، وكان والدي يأتي إلى مكة ويذهب معه فضيلة رئيس قضاة الحجاز الشيخ عبدالله بن حسن إلى الأمير فيصل حينما كان نائباً للملك عبدالعزيز في الحجاز يستأذن لزيارة أهله في القصيم، فيعتذر الأمير فيصل أنه لا يستطيع إلا بإذن الإمام عبدالعزيز، ويرسل له برقية بهذا الخصوص وينتظر حتى تأتي الموافقة، وقد وجدت بين أوراق والدي -يرحمه الله– رسالة من عبدالعزيز رداً على رسالة من الوالد، والمتأمل لهذه الرسالة يرى البساطة في الأسلوب، وكأنها بين رجلين مستواهما واحد، ففيها سؤال عن الحال والعيال والمشايخ وإبلاغ سلام الإمام عبد الرحمن والد عبدالعزيز وسلام الأبناء وطلبة العلم والاستبشار بنصر الله، وحينما تأملت أسلوب الرسالة من الملك عبدالعزيز أدركت أن المؤسس عنده اعتقاد قوي بأن المجاهدين معه في جيشه أو المطوِّعين في القرى والهجر والعلماء في المدن شركاء له في مسؤولية تأسيس وحدة هذه البلاد ونشر التوحيد بين العباد، وكل ذلك مما حفظ الله به بلادنا وأمننا، والله خير حافظ وهو أرحم الراحمين».
كما أشار الشيخ الخليفة إلى حجم معاناة وتضحيات طلبة العلم والمشايخ والمطوِّعين فترة تأسيس البلاد والوطن، وهو ما يعكس قيمة الوحدة ودور بلدة الرس بمطوِّعيها وشراكتهم، فقال في الورقة السابقة من ذكرياته: «وكان يمر العامان والثلاثة لا يستطيع الوالد زيارة أهله في القصيم([58])، فلم تكن السيارات يومها موجودةً بشكل يخدم الجميع، وكانت أسفار الناس على الإبل وعلى الأقدام، ويأخذ المسافر أسبوعاً أو أسبوعين في الطريق مع صبرٍ على سير الجمال وشد الأحمال، وكانت ظروف الحياة صعبة في قرية (قُديد)، فلا يوجد مساكن مبنية من الطين أو الحجر، بل كانت أعشاش من سعف النخيل، وكان بعض من الأهالي يستوحشون خيفةً من الوالد ويُسمونهُ الشرقي، وأكثر سكانها من قبيلة حرب، وكان بعضهم يزرع الدخان (التبغ) وهو ينهاهم، فكانت إقامته هناك فيها جهاد وغربة مع مواصلات شبه معدومة، والسيارات فيها نادرة جداً، ويُعدُّ امتلاكها من سادة القوم -إن وجدوا-، لكن إسهام والدي وأمثاله في الجهاد والتعليم والدعوة والإرشاد لنشر التوحيد بهدف مرضاة الله ووحدة البلاد جعلت الجميع يضحي بوقته ونفسه في سبيل ذلك -لا حرم الله الجميع أجر ذلك-».
مرقب الشنانة
(مرقب الشنانة) أو كما يسميه البعض برج الشنانة، هو معلم من المعالم الأثرية المهمة في منطقة القصيم، حيث كان يستخدمه سكان الشنانة ربما للمراقبة في أوقات غارات السلب والنهب الشائعة آنذاك بين بعض القبائل، أو بين البادية والحاضرة آنذاك، وربما للمراقبة عامة ومعرفة أهلة الشهور، ومن المؤكد أن أهمية الاستخدام كانت أكثر زمن الحملات الأجنبية والحروب فيما بعد ذلك، ولهذا يفتخر أهالي الرس والشنانة خاصةً بهذا المرقب كثيراً، وكذلك عامة أهل القصيم, وقد وقعت قريباً منه إحدى أهم معارك توحيد الدولة السعودية الثالثة في 28/7/1322هـ خلال المرحلة المبكرة من مرحلة التأسيس, ولوجود هذا المرقب الذي ربما يفوق مرقب الرس بالبناء والارتفاع دلالات على أن بلدة الشنانة قديماً كانت بلدة عامرة بالسكان والمزارع تضم قبائل وعشائر، وأسواقاً ومساجد ومزارع وبيوتاً كثيرة واستهدافاً أكثر.. ولا توجد معلومات دقيقة عن ارتفاع هذا المرقب عند تأسيسه, لكن عوامل التعرية وربما القصف الذي تعرض له أثناء بعض الحروب التاريخية التي شهدتها البلدة, فضلاً عن عبث الأيدي الطائشة به. كل ذلك جعل المتبقي منه حالياً هو 23.80 متر (يعني حوالي ثمانية أدوار أو تسعة حسب المباني الحديثة)، وكما يقول بعض أهالي الشنانة: إن عدد الأدوار الساقطة من أعلاه ربما ثلاثة أدوار أو أكثر أو أقل([59])، ومن توصيفه أن المرقب مخروطي الشكل مستدير القاعدة، مبني من الطين القوي المخلوط بالتبن، وهو من معالم الشنانة الأثرية الباقية حتى الآن، كما أنه شاهد على تاريخها القديم والعسكري.
وحسب اللوحة المنصوبة بجوار المرقب من قبل (وزارة المعارف وكالة الآثار والمتاحف بالرس) فإن مواصافاته في حالته الراهنة يتكون من ثمانية أدوار بارتفاع 23.80متر، وقطره من أسفل 7.52متر، وقطره من أعلاه 1.50متر، وسمك الجدار من أسفل 1.20متر، وسمكه من أعلى 40.00 سم.
ومن الأقوال عن تاريخ بنائه ما يقوله بعض كبار السن بأن البناء قديم جداً وشارك فيه عدد من الرجال من عدة عشائر وأُسر من رجال الشنانة القدامى، وربما أن أول ذكرٍ له في كُتب التاريخ ما أورده ابن بشر في تاريخه بوصفه (قلعتها) بقوله عن حملة طوسون باشا التي حاصرت الشنانة عام 1230هـ: «وانحاز عدة رجال منهم إلى الشنانة النخل المعروف فوق الرس، وصاروا في قلعتها»([60]).
وعبدالرحمن الصويان يعزو عدم معرفة تاريخ البناء بأنه بسبب قِدم البناء، فيقول: لم أجد مصدراً يُوثِّق تحديد تاريخ بناء مرقب الشنانة، أو تحديد الشخص الذي بناه, وقد يكون السبب قِدَم تاريخ البناء، أو كوْن المرقب تعرض بعضه للهدم عدة مرات, ومن ثم كان يُعاد بناؤه، أو تجديده وترميمه([61]).
ومما ورد في تحديد تاريخ بنائه، ما تكرر من الروايات، وفي كثيرٍ من الكتب التاريخية حول بناء هذا المرقب أنه كان عام 1111هـ، وهي الرواية الوحيدة التي أوردها الصويان في كتابه وإن لم يجزم بها، وهذا ما ورد كذلك في موسوعة الويكيبيديا عن تاريخ بنائه نقلاً عن بعض المصادر والكتب، إضافة إلى إمكانية أن يكون عام 1170هـ دون ترجيح بين التاريخين في هذا المصدر! وكلاهما قديم، والنقولات عن الكتب والمصادر التاريخية في معظم المواقع الإلكترونية تنص في غالبها على عام 1111هـ كتاريخ متقدم، مع ذكر الثاني كاحتمال آخر 1170هـ([62]).
وهناك إحدى الروايات التي تُشير إلى أن بناء المرقب كان متأخراً، حيث تم في سنة واحدة مع بناء مرقب الرس عام 1232هـ وأن الباني لهما هو فريح الفريح التميمي! وكذلك قيل أن البناء تم في عام 1211هـ، وربما أن هذا التاريخ الأخير تعرض لتحريفٍ يسير في الكتابة مما هو المُرجَّح وهو عام 1111هـ، حيث عُدل تحريفاً إلى 1211هـ، لكن هذه التواريخ المتأخرة لا تُعدُّ من التواريخ القديمة -حسب بعض المؤرخين- ولا يمكن أن تكون مجهولةً عند الناس أو الرواة، أو أن يكون الخلاف حولها، ولذلك فمن المُرجَّح -وفق ما سبق- بأن الفريح قام بترميم المرقب في عام 1232هـ ولم يقم فريح بالبناء.
كما أن الصويان الذي قال: لم أجد مصدراً يوثِّق تحديد البناء للمرقب؛ يقول في الوقت ذاته بصيغة الاحتمال: إن شارخ المحفوظي من العجمان ربما هو الذي بنى المرقب وهو المتوفى عام 1232هـ، وكان شارخ وبعض أولاده قد سكنوا الشنانة في أرض (ظلما) قَبْل سُكنى الخليفة حسب تعبير الصويان كذلك! حينما كانت إمارة الرس تابعة للشوارخ، ثم انتقل شارخ مع أولاده للمطية، وهي قريةٌ مجاورةٌ للشنانة([63]).
ويقول عبدالله السلومي: «إذا لم يثبت ما رُوِيَ أن فريح الفريح هو الباني عام 1232هـ أيام قدوم الباشا! وهو قول ضعيف، فإن الباني مجهول والتاريخ كذلك؛ لأن البناء في أرض للبواهل وتاريخ وصولهم للشنانة كان متقدماً، وكان البناء قبل وصول جدنا هويشان وخليفة بن منيع»، وكثيراً ما كرر القول للمؤلف المزارع سليمان بن عبدالله العميري وهو ووالده من أهالي الشنانة القدامى: «المرقب مبني في أرض للبواهل قبل مجيء جدكم هويشان، وخليفة بن منيع، والله المستعان». وكان هويشان قدم حوالي عام 1185هـ، وكان عام 1200هـ تاريخ وصول خليفة للشنانة بعد الرس، وهذا القول لعبدالله السلومي وللعميري وغيرهم، مما يُعزِّز الرواية التي مفادها أن بناء المرقب كان قديماً، وأنه عام 1111هـ لأنه تاريخ متقدم، وتواترت فيه الروايات.
– الترجيح بين الروايات:
بقراءةٍ يسيرة للروايات السابقة فإن الخلاصة عن هذا الموضوع وما فيه من ترجيحات: أن معظم الروايات والمقارنات التاريخية تواترت إلى حدٍّ كبير بأنه بُني عام 1111هـ, وهذا التاريخ هو المرجح لدى وزارة المعارف المعنية بالآثار سابقاً، وهو ما اعتمدته رسمياً في معلوماتها عن هذا المرقب، ويُرجِّح هذا التاريخ كذلك قول صالح بن سليمان السلومي، بل يؤكده، حيث يذكر أنه رأى بنفسه قديماً في أحد الأدوار من المرقب تاريخ البناء، وذلك قبل عمليات الترميم الأخيرة له، والتاريخ السابق مُسح أو تَمَّ العبث به، وصالح السلومي هذا يؤكد أنه شهد بنفسه زيارة وفد من السفراء الأجانب للمرقب، وكانوا في جولة سياحية على عموم الآثار في المملكة حسب سماعه منهم، وكان من ضمن الوفد الرسمي أفارقة وأوروبيون وغيرهم، وكان برفقتهم لزيارة مرقب الشنانة الوجيه حمد المالك([64])، وذلك حوالي عام 1380هـ، وكان تاريخ البناء موضع نقاش بينهم، واستطاعوا تحديد تاريخ بناء المرقب بأنه عام 1111هـ من خلال النواظير المُكبِّرة التي استخدموها، ووجَّهوها على الكتابة المحفورة بالطين بأحد أدوار المرقب.
وهذا التحديد مما يؤكد أن تاريخ البناء يُعزِّز بصفة قاطعة قِدَمه، حيث لم يتم تحديد تاريخه بغير هذه الأقوال والروايات بشكلٍ متواتر، وهو ما يكاد يؤكد أنه بُني عام 1111هـ، ومما يُرجِّح تحديد هذا التاريخ أو تأكيده أن معظم أحداث الشنانة وتواريخها القريبة رواها الآباء والأجداد لمعاصرتها لحياتهم دون اختلاف في مروياتهم، كما أن حوادث وأحداث حملات الباشا، ووقعة الشنانة والمعركة بتفاصيلها الدقيقة، كان التناقل لها مشافهة من الآباء والأجداد دون تعارض، لكن بعض الخلاف حول تاريخ البناء -بحد ذاته- مما يُرجح قِدَم البناء، وهو ما يُعزِّز رواية أنه كان عام 1111هـ مالم يتأكد غير هذه الرواية من تواريخٍ قديمة ومحدَّدة وبأدلةٍ أقوى مما سبق في هذا الترجيح، مثل ما يُقال من روايةٍ عن بنائه عام 1211هـ.
وأقول في الأخير أن قِدَم البناء مع وجود روايات وكتابات عن الأملاك وحدودها، ومنها بعض ما يتداول عن استقرار آل جنيزر الباهلي في الشنانة في القرن العاشر الهجري –كما سبق- إضافةً إلى روايات أخرى متواترة بأن المرقب بني بأرض البواهل، وهذا يطرح التساؤل بأن هذه العائلة ربما كان لها دور في بنائه في أواخر القرن العاشر الهجري، أو بداية الحادي عشر الهجري، ومعظم هذه الاستنتاجات والروايات مجتمعة مما يُعزِّز أن البناء كان عام 1111هـ، وهو الأرجَح بهذه الاعتبارات والأقوال والروايات، وكذلك بالاعتماد الرسمي للوزارة المعنية. [انظر عن بعض صور مراحل مرقب الشنانة الملحق رقم (6)].
وخلاصة القول عن هذا الفصل المتخصص للتعريف بالشنانة (إحدى قرى الرس): أن ما ورد عنها من معلومات تاريخية تكشف عن جوانب كثيرة من مُعزِّزات الوحدة كأنموذج للقرى، حيث أن عنصر الشجاعة والدعوة والكرم، والأعمال التعاونية المجتمعية، ودور المساجد وجهود المطوعين داخل قريتهم وخارجها، كلها كانت من العوامل المساعدة في أمن هذا الكيان واستقراره، بل ولهذه المواقف والبطولات دورها المشهود في الإسهام بتأسيس الكيان.
والقراءة الموضوعية لما ورد في هذا الفصل تطرح أهمية البحث والتقصي في مراكز المخطوطات العالمية كمصر وتركيا، وكذلك في المكتبات السعودية عامة وعلى رأسها مكتبة وأرشيف دارة الملك عبدالعزيز، وتتأكد الأهمية بحق الجهات والهيئات المعنية بكتب التراث والتاريخ وكتب الرحالة والمستشرقين وتقاريرهم، وهذا البحث والبحوث المقترحة هي جميعاً ما يمكن أن تكشف عن كثير من القضايا التاريخية لبلدات هذا الوطن، وبلدة الشنانة كغيرها من البلدات تحتاج إلى مزيدٍ من المعرفة عن تاريخها المتقدم وأول من أسسها وعمَّرها، فالبحث العلمي كشف لنا وصفاً مبكراً للشنانة، وبعض أحداثها التاريخية حينما كتب عنها المؤرخ مانجان –كما سبق- وذلك قبل وصف الصويان لها بحوالي 100 عام!! ويمكن بمزيد من البحث العلمي التاريخي، أن يكشف لنا التاريخ ما هو أكثر وأهم.
وهذا الفصل والفصل السابق المعنيان بما يرتبط بالمقدمات التاريخية عن الوحدة تُعدُّ أساساً وتوطئةً للفصول والموضوعات التالية المعنية بوحدة الكيان ووحدة الدولة السعودية الثالثة تحديداً.
*****
الفصل الثالث
الوقعة ومعركة الوادي وأثرهما في الوحدة
«وهي المعركة التي وطَّدت قدم ابن سعود في نجد، وقضت على النفوذ التركي، وانهارت بها الصخرة الأولى من صرح آل رشيد».
خير الدين الزركلي
معركة الوادي ودورها في الوحدة
تتأكد أهمية وقعة الشنانة وقطعتها عام 1322هـ وما تلاها من معركة -اشتهرت تاريخياً- بأنها حدثت في السنوات الأولى لمرحلة التأسيس، مما أضاف بُعداً معنوياً وعسكرياً وسياسياً لهذه الوقعة؛ وذلك بأثرها على تحقيق انتصاراتٍ لاحقة تتكامل في تحقيق مشروع الوحدة وحلمها، لا سيما أن معركة الوادي التي تلت وقعة الشنانة كانت معركة معنية بالقضاء على أبرز الخصوم، ولذلك فهذه الوقعة بنتائجها المتعددة مما أسهم بشكلٍ مباشرٍ في توحيد الكيان السياسي.
وحدثت المعركة بعد رحيل ابن رشيد من الشنانة متأثراً من تفلت جيشه ومَلَلِهم، كما هو تعبير كبار السن عن الحدث، ولم تكن المعركة بعيدةً عنها، حيث كانت قريبة منها، في مكانٍ شمال ما يُسمى قصر البطَّاح، في ضفة وادي الرمة وقريباً من قصر ابن عقيِّل كذلك، ولم يكن بين ابن رشيد وأهالي الشنانة معركة عسكرية على أرضها تحديداً.
ومما هو معروف تاريخياً أن معركة الوادي المدونة في معظم كُتب التاريخ حدثت كامتداد لحصار الشنانة وقطع نخيلها كما هو معلوم، ولذلك سماها بعض المؤرخين أو المؤلفين تجاوزاً معركة الشنانة، وبحكم ما وقع على الشنانة من ظلم وعدوان من ابن رشيد، حينما عسكر فيها مدةً طويلة، فالسببية والمجاورة والشُهرة كانت بحصار الشنانة الطويل، بل ومقدمات المعركة وكثيرٍ من دوافعها كانت من الشنانة وحصارها.
وإذا ما تجاوزنا الاسم وجدليته، فإن الواقع وأحداث التاريخ تقول: إن الشنانة هي التي دفعت الثمن غالياً، من خلال رجالها وممتلكاتها، بل كان عليها الغُرم واضحاً، وكان لغير أهاليها من سائر البلدات، ممن شاركوا في المعركة غُنمها ومكاسبها، وأهم من هذا الغرم والغنم مكتسبات الوحدة، وكانت أحداث الشنانة وما تلاها من معركة تُعدُّ من مدخلات الوحدة المبكرة المشهودة ومعززاتها.
ومن المفيد أكثر حول هذه الوقعة والمعركة، التأمل فيما ورد من رواياتٍ تاريخية كثيرة، ومن أبرزها ما رواه شاهد عيان، مما يُعد من المصادر القوية لا سيما حينما تُعززه الكتابات التاريخية الأخرى، وشاهد العيان هو محمد الصويان المولود عام 1308هـ، وقد تحدث عن قصة وقعة الشنانة، برواية صوتية في شريطٍ تسجيلي تحول فيما بعد إلى كتابٍ بعد وفاته، ومما قال عنها وعن وصف وعمرانها وسكانها زمن حصار ابن رشيد لها: «يقع قصر ابن عقيِّل شمال غرب الشنانة، وكانت في السابق ديرة عامرة, وبعد الدمار الذي حصل للشنانة وقطع نخيلها هجرها الناس, وحالياً يسكن الناس في أعلى البلدة، وتُعتبر من الرس»([65])، ويقول محمد الصويان: «في الحقيقة كانت الشنانة في السابق هي الديرة… وكانوا فيها يقولون: (هل أتى من القريَّة أحد)..؟! يقصدون بالقريَّة الرس»([66])، وهذا التصغير للبلدة أمام غيرها مما يؤكده بعض المعاصرين ممن قرأوا وسمعوا من أجدادهم، ومن هؤلاء الشيخ محمد بن عبدالله الدهلاوي.
وكان الصويان معاصراً لفترة نزوح سكان الشنانة، بعد قطع نخيلها وقتل كثير من رجالها، والجناية على كل مصادر الحياة فيها من قبل ابن رشيد، وربما أن هذا النزوح أسهم في توسُّع الرس بسكانها، وربما أن وصف الشنانة وكذلك الرس غير واضح، فهو يعتمد على قصد الواصف، هل هو يعني مساحة العمران وكثرة السكان؟ أم مساحات العمران مع الزراعة والمزارع التي تحيط بالبلدتين؟ وهذا ما يتطلب مزيداً من البحث في معرفة حجم الحقيقة عن هذا القول.
يقول محمد الصويان عن حصار الشنانة، وعن نموذج من (نماذج الظلم) الذي وقع عليهم من ابن رشيد بالرغم من كرم أهلها مع ابن رشيد: «وعندما أقبل ابن رشيد إلى الشنانة طلب منه أهلها الأمان حيث لم يكن للشنانة سور يحميها, بل كانت عبارة عن مزارع متفرقة وقرية صغيرة([67])، طلبوا منه الأمان, فأمَّنهم, ودعوه إلى العشاء, فقبل الدعوة، وذبح أهلها الذبائح وجهزوا طعاماً كثيراً, فلما نزل ابن الرشيد الشنانة ملأت جنوده المنطقة التي بينها وبين قصر ابن عُقَيِّل؛ حيث كان معه أعداد كبيرة من الجُند، وفي المســــــاء أتى ابن رشيــــد على خيله, ومعه سبعة عشر خيَّالاً, ودخل علينا القصر, وكان طعام العشاء جاهزاً، وعندما انتهى من تناول الطعام([68]), قال ابن رشيد: (اسمعوا يا أهل الشنانة, ابقوا في هذا القصر, ولا يخرج منكم أحد)»([69]).
وأكمل ابن رشيد كلامه وظلمه لأهل هذه البلدة بقوله: «ابقوا في القصر, وفي الصباح سوف نرحل عنكم, وعليكم الله وأمان الله، ومن يخرج فإنه سوف يُذبح, واعلموا أن الجنود حمقى, فلا يخرج منكم أحد»، ويقول الصويان «عاهدهم مرَّتين, وأكل ذبائحهم, ولا يمكن يغدر بهم»، لكن الصويان يذكر عن غدر ابن رشيد بأهل البلدة قائلاً: «إن بعض أهل الشنانة لم يكونوا واثقين من قول ابن رشيد, وبدأ بعضهم ينصح البعض بالهرب يريدون الخروج, ولعل الله يحميهم، وبدأوا يتسللون واحداً بعد الآخر»([70]).
ويروي محمد الصويان عن والده قوله: «لا أعرف لنا جرماً أذنبناه فيعاقبنا عليه ابن رشيد, وعَاهَدَنا إلى الآن ثلاث مرَّات, وَأَكَلَ طعامنا, وشَرِبَ قهوتَنا, ولا يمكن أن يغدر بنا, والله لو أنه كافر لا يغدر بنا»([71]) .
ويكمل محمد الصويان قصة اجتياح الشنانة بذكر (نموذج آخر) من نماذج الظلم قائلاً: «في الصباح دخل ابن رشيد علينا في الحايط, ومعه خيله وعبيده, وجَمَع جميع أهل الشنانة وصفَّهم بجانب الجدار خارج الحايط وعدَّهم, فكانوا اثنين وأربعين رجلاً بعد هروب مجموعة منهم وكنت جالساً معهم في أطراف الصف، ثم قال لهم ابن رشيد: هيا قوموا وأعطونا سلاحكم… قوموا هاتوا سلاحكم، عندها تغيَّر وجوه الرجال وأيقنوا أنه قد خانهم، من كان عنده سلاح قام وأحضر سلاحه ومــن لــم يكن عنـــده ســــلاح قــــال: والله يا عبدالعزيـــز, مــا عنـــدي سلاح!»([72]).
ومن الظلم كذلك ما رواه الصويان قائلاً: «جمع ابن رشيد السلاح من بينهم, وأمر بفتح أبواب أحواش الغنم.. أربعة أبواب.. غنم الديرة كلها, وقال:(فرقوها على العسكر… ذبائح), وأمر بفتح أبواب أحواش البقر, وقال: (فرقوها على الحضر يأكلونها), ثم أمر بفتح أبواب أحواش الإبل (حوالي مائتي ناقة) وقال: فرقوها على القوم.. كلها»([73]).
ويضيف محمد الصويان قائلاً: «الشنانة كانت قد انتهت، لأن ابن رشيد كان قد أحرق جميع النخيل, والبيوت ولم يُبق شيئا، ولكن الحمد لله لقد أخذوا حقهم»([74]) ويعني بذلك نهاية حكمهم وزوال استبدادهم ودولتهم أو إمارتهم، لا سيما أن قتله للرجال كان بأبشع الصور كما سيرد في النماذج الأخرى من الظلم عليها وعلى أهلها.
بعد هذه الاقتباسات الموجزة، يتضح حجم عدوانية ابن رشيد، التي كانت انتهاكاً لحقوق الإنسان والبيئة، وما في ذلك من استحلال للأموال وظلم للأهالي، ثم حدثت المعركة المشهورة قرب الشنانة وليس على أرضها، وسميت بوقعة الشنانة من باب السببية، وشارك في هذه المعركة مع جند الملك عبدالعزيز وغيرهم، من أهاليها وأهالي الرس والقصيم عامة، متطوعون مجاهدون من الحاضرة دون البادية، والمقام هنا للتذكير بأهمية المعركة ونتائجها وآثارها في تعزيز مطلب الوحدة، وليس لسرد تفاصيل تلك الواقعة، الواردة في الكتب المعنية بالرس والشنانة، أو في المصادر التاريخية للمملكة العربية السعودية.
يقول الراوي سابق الذكر وهو من شهود العيان –كما سبق-: «وحدثت مجاعة, وسُميت تلك السنة سنة الجوع»([75]).
ويقول عبدالله بن سليمان السلومي واصفاً ابن رشيد وفعله هذا بالشنانة، من خلال ما سمع من والده، المعاصر لأحداثها، وكذلك من آخرين معاصرين: إن ابن رشيد كان شجاعاً على ظهر الفرس، لكنه في سياسة الأمور مهبول (أهبل)، وما عنده بصيرة، كان مستولياً على الشنانة ومزارعها، ويقطع نخيلها رغم حاجته لها، ويؤكد أن الذي قضى على ابن رشيد وأنهى حكمه هو ظلمه للعباد والبلاد، وإرادة الله واضحة لكل بصير.
والخلاصة حول هذه المعركة أن حجم الخسائر المادية والبشرية كانت قليلة في ذات المعركة لجيش ابن سعود وأنصاره المشاركين فيها، وهي لا تساوي حجم ما خسره أهل الشنانة قبل المعركة زمن الحصار لها.
مرويات المؤرخين بين الوقعة والمعركة
اشتهرت (وقعة الشنانة) عند كثير من المؤرخين بالوقعة أو الواقعة أو القطعة، وهي أشمل من المعركة، ووردت عند آخرين وهم قلة (معركة الشنانة) بالرغم من أنها حدثت في وادي الرمة، والفصل العلمي حول الجدل في هذا مدوَّن في كُتب التاريخ، وقد لا يكون هناك تعارض؛ فهي وقعة الشنانة أو واقعة الشنانة وقطعة نخيلها، وجولاتها العسكرية والمعركة بنتائجها تمَّت بالوادي قريباً منها ومن قصر ابن عقيِّل، وليس بأرضهما كما هو الواقع والتدوين التاريخي.
ولذلك فالاسم لا يشكِّل مشكلة علمية تاريخية؛ لأنه لا ينفي الواقع التاريخي عن كل من الوقعة بالشنانة والمعركة بالوادي، بل يثبتهما على حدٍّ سواء في التكامل، وإيراد ما كتبه أبرز المؤرخين عن هذا، مما يُثبت التكامل بين التسميتين أكثر منه في التعارض.
فمما ورد بأنها (وقعة الشنانة) و(معركة الوادي) ما تواتر من الروايات الشفهية لدى المعاصرين للحدث، وهو حدث قريب عاصره الآباء والأجداد وكافٍ في التعبير عنها بأقوالهم عن (وقعة الشنانة) و(قطعة الشنانة)، وعلى هذا سار المؤرخ إبراهيم بن عبيد في كتابه، عن ما جرى من ابن رشيد فيها، من مصادرةٍ لمواشيهم وقطعٍ لنخيلهم، ثم أفرد عن المعركة عنواناً آخر هو: ذكر واقعة (وادي الرِّمة) وهو بهذا ممن أكد على هذه التسمية([76]).
وكرر المؤرخ أمين الريحاني بعد وصفه لوادي الرمة بأن المعركة وقعت في الوادي، قائلاً: «في ذاك المنعطف من (الوادي) تنازع ابن سعود وابن الرشيد السيادة في القصيم… وهناك احترب الفريقان ومع أحدهما عساكر الدولة العلية وأطوابها واقتتلا في وقعات عدة، تُعرف عند أهل نجد بوقعة البكيرية و(وقعة الشنانة)»، كما قال في موضع آخر أكثر وضوحاً: «حيث مشى الجند السعودي من القصر وراءها، فادركوا العدو في (وادي الرِّمة)»، وكما قال في موضع ثالث آخر: «هذه هي وقعة الشنانة والأحرى أن تدعى وقعة وادي الرِّمة 18 رجب 1322ه/29 سبتمبر 1904م وهي القسم الثاني من مذبحة البكيرية التي قضت على عساكر الدولة وأغنت أهل نجد»([77]).
وكذلك المؤرخ خير الدين الزركلي الذي سمَّاها (وقعة الشنانة) وشرحها بالمعركة، ومما قال: «تُعرف هذه الواقعة (بوقعة الشنانة) وكانت يوم 18 رجب 1322هـ/29 سبتمبر 1904م، وهي المعركة التي وطَّدت قدم ابن سعود في نجد، وقضت على النفوذ التركي، وانهارت بها الصخرة الأولى من صرح آل رشيد»([78]).
كما أن الباحثة مديحة درويش سمتها (موقعة)، وفيها قالت: «في (موقعة الشنانة) التي تعتبر من المواقع الفاصلة في تاريخ نجد سنة 1322هـ/1904م، إذ جعلت تركيا تتخلى عن مساعدة ابن الرشيد، وبدأت تخطب وُد عبدالعزيز»([79]).
وفصَّل القول حول التسمية المؤرخ الدكتور عبدالله العثيمين، قائلاً: «قام ابن الرشيد بقطع نخيل أهالي الشنانة ودفن آبارهم وهدم منازلهم وَأَسَرَ سكان الشنانة وتسمى هذه الحادثة (قطعة الشنانة) أو (مناخ الشنانة) والمعركة وقعت في (وادي الرمة) وتبعد عن بلدة الشنانة 18 كيلاً والمعركة وقعت في يوم 18/7/1322هـ في وادي الرمة، لذا من الطبيعي أن تسمى (معركة الوادي) والتي انتصر فيها المؤسس انتصاراً حاسماً، أما الشنانة فلم تشهد وقوع معركة إنما عسكر فيها ابن الرشيد، والمؤسس عسكر بالرس»([80]).
كما أن المؤرخ المتخصص بالتاريخ السعودي العثيمين نفسه أكَّد على ميدان المعركة وأنها كانت بالوادي دون اعتبار للتسمية، وذلك في كتابٍ آخر له قال فيه: «المعركة التي اشتهرت لدى بعض الكتَّاب باسم معركة الشنانة وإن لم تدر رحاها على أرض تلك البلدة؛ وذلك في الثامن عشر من رجب سنة 1322هـ (27/9/1904م) »([81]).
وإضافةً إلى هذا الحسم العلمي للجدل حول التسمية، فإن الجمع في سطر واحد بين الوقعة والمعركة ورد من رواية مكتوبة من معاصرٍ للأحداث ومشاهدٍ لها وهو محمد الصويان الذي تكرر ذكره في هذا الكتاب، حيث يقول: «وبذلك انتهت (واقعة الشنانة) أو (معركة وادي الرمة) بالنصر للملك عبدالعزيز على عساكر الترك ومعهم بقية قوات ابن رشيد في 17 رجب عام 1322هـ»([82]).
وفي المقابل سماها عدد محدود من المؤرخين (معركة الشنانة) بالرغم من وقوعها في الوادي حسب ما سبق من أقوال وروايات تاريخية، وإطلاق هذه التسمية لا يعني أنهم قصدوا بأن المعركة كانت في أرض الشنانة؛ لأن هذا يتعارض مع الواقع التاريخي وتدوين أحداثه، ومن هؤلاء المؤرخ فؤاد حمزة الذي قال عنها: «وظلَّت المناوشات بين الفريقين مدة أربعة أشهر إلى أن حصلت (معركة كبيرة في الشنانة) كُسرت فيها قوات ابن الرشيد والدولة في 18 رجب 1322/سبتمبر 1904م وغنم فيها أهل نجد غنائم عظيمة جداً»([83]).
وبهذه التسمية كذلك سمَّاها كشك، فقال: «وفعلاً قاتل مع ابن رشيد عسكر الدولة، وتبين عجزهم في البكيرية، ثم في (معركة الشنانة)»([84]).
وممن سماها بهذا الاسم كذلك جورج خير الله، حينما وصف هذه المعركة بالحاسمة: «وأخيراً جاءت المعركة الحاسمة الفاصلة في يوم 18 رجب سنة 1322هـ/29 سبتمبر عام 1904م عندما كُسر ابن رشيد وحلفاؤه في (معركة الشنانة) انكساراً تاماً». ولكنه استدرك في موضع آخر فقال: «وانتهت بنشوب معركة الشنانة، ويطلق العرب على هذه المعارك جميعاً اسم (معركة وادي الرمة) نسبةً إلى الوادي الذي كان مسرحاً لها»([85]).
– ترجيح وخلاصة:
من خلال الروايات التاريخية السابقة حول تسمية المعركة والجمع بينها، فإنه يمكن الجمع بين هذه المرويات التاريخية والقول بأن (وقعة الشنانة) أو (واقعة الشنانة) أو (سنة القطعة) هي من المقدمات والمسببات لـ(معركة الوادي) التي تمت واقعاً بوادي الرمة وعلى أرض الوادي شمال قصر البطاح وغرب قصر ابن عُقيِّل تقريباً، وميدان المعركة لا يبعد عن الشنانة سوى بضعة أكيال، وتحديد ميدان المعركة بالوادي من حقائق التاريخ المعروفة والمشهورة عند الآباء والأجداد الذين كانوا يقولون ويرددون: “حصلت المعركة باحقاف الوادي وابن رشيد مُنْكِف من الشنانة منتهي منها” وهي كلمات دارجة على ألسنة العامة، وتعني أن المعركة كانت بطرف الوادي ورماله، وذلك بعدما ترك ابن رشيد الشنانة، ويضاف إلى هذا جميع المصادر والمراجع التاريخية التي تُحدد المكان وإن اختلفت التسميات، وهذا الاختلاف اللفظي بوصفها معركة الشنانة لدى قلة من المؤرخين لا يغير من حقيقة ميدان المعركة وأرضها الثابت في أرض الوادي.
والمهم في هذا أن الشنانة وقصر ابن عقيِّل، والرس والوادي كلها بلدات وأماكن في وطن واحد، وبعائلات وأُسر مترابطة ومتداخلة! بل إنها وقعةٌ ومعركةٌ تمت في مكان واحد، فالشنانة والمعركة كانت في أراضي الرس كجزء من منطقة القصيم، والمعركة في الوادي كانت لهدفٍ واحد! ولمصلحة وطنٍ واحد! فلهم جميعاً شرف التضحيات والانتصار، والأهم في هذا أن التدوين التاريخي لهذه التضحيات والجهود واضحة، وأنها مما يُعدُّ من شراكة الجميع في منظومة الوحدة وأحداثها.
نماذج أخرى من الظلم
لم يكن أمراء الرشيد نموذجاً واحداً في العدالة أو الظلم، زمن حكمهم في نجد حسب روايات التاريخ، لكن ما حدث في الشنانة من أحدهم وهو عبدالعزيز بن متعب الرشيد، يعكس ما يُعد عند المؤرخين أبرز أسباب السقوط لإمارتهم ونهايتها، فالدول تقوى وتستقر في ظل العدالة، وتضعف بل وتنتهي وتسقط عند ممارسة الظلم، وهنا نماذج إضافية عن ما سبق من شاهد عيان، وهو محمد بن سليمان الصويان الذي عاش الحدث بنفسه، ورأى بأم عينيه هذه النماذج من الظلم، يقول عن (أحدها): «أخرج جنود ابن رشيد رجال الشنانة، وأوقفوهم في وسط الشعيب في الحر، هواء حار يكاد من شدة حره أن يحمس العصافير فوق الرمل، وأوقف جنوده لحراستهم، وقبل وقت العصر أخرجوا الحريم، وأُوقفوا في مكان قريب من الرجال، وكان الجميع في رعب شديد.
جلس ابن رشيد تحت الجدار في الظل، ونادى: ناصر البلاع…، قال: حاضر، فأحضر الجنود الجريد، وبدؤوا يضربونه، والعبيد مكبلينه حتى لا يتحرك، حاول المقاومة في البداية، ولكن مقاومته قلّت مع ذلك الضرب الشديد، والله إنني كنت أرى قطع الدم تخرج من فمه! حتى خرجت روحه، ثم نادى ابن رشيد فلاناً وفلاناً… سبعة أشخاص، من ضمنهم حمد بن محمد بن صويان، وجميعهم عمل فيهم مثل ما عمل بناصر البلاع، ولم يكن لناصر البلاع ذنب يستحق عليه ذلك التعذيب، إلا أن ابنه قال كليمات [ضمن أبيات شعرية] في ابن رشيد عند بداية ظهور ابن سعود، ونقلها الواشون لابن رشيد، فحنق عليه، ودلَّى [بدأ] يسن ضروسه، ما ينام الليل يبي ابن بلاع يبرد كبده منه… وينتظر اللحظة التي ينتقم فيها من ابن بلاع… [وقصته]عندما وصل ابن رشيد إلى الشنانة، تمكن ابن ناصر البلاع من الهرب مستتراً بالليل.. فثار ابن رشيد عندما علم بالخبر في الصباح، ولم تبرد ناره إلا بعد أن قبض على أبيه –سابق الذكر-، وظل رجال ابن رشيد يعذبون الأب ويضربونه بالخشب حتى فاضت روحه، انتقاماً من الابن الذي فر منه.. رغم أن والده كان من الأجواد الطاهرين الذين يطهرون الأرض، ولكنه الابتلاء، ويروي محمد الصويان الأبيات التي قالها ابن بلاع:
مرحبــاً حَيّ مِنْ جَــا بالخَبَرْ حَيّ مِنْ جاء بِشْيرٍ بالامـام([86])
جــــــا بِشْيرٍ يِبَشِّر بالنَّصـــــرْ جـــا بِشِيرْ السَّعَد والدِّينْ قـــــــــامْ
جَــاكْ ابنْ مِتْعبٍ بِمْيةْ نَفَـــــر باغٍ الدّارْ يِدْعِيهـــا هَــــدَامْ([87])
يــاهْلَ الحَزم سِلْسِلةْ الظْفَـــــر فْكّوا الدَّار من وِلْدَ الحَـرَامْ([88])
زوجة ابن بلاع وثلاث من بناته كُنَّ معنا، ورأين كيف قُتِل، ولم تتحمل ذلك المنظر إحدى بناته فمزقت ثيابها، وخرجت من الصف، وإذا بذلك الشيخ من شيوخ شمَّر، يضع عليها عباءته، ويقول لها: اقعدي… لا يراك ابن رشيد فيعاقبك.
الجميع أهل حائل والحضر كانوا يبكون، ويقولون: الله لا يسلطه علينا، سبعة رجال من أهل الشنانة، قُتلوا بالطريقة نفسها ضرباً بتلك الأعمدة، منهم حمد المحمد الصويان، وجريمته أنه كان قد ذهب إلى ناصر الخالد الرشيد قبل عدة أيام، قبل مجيء عبدالعزيز بن متعب بن رشيد، وذلك للتشاور مع ناصر الخالد حول الوضع الأمني للمنطقة.
بعدها، ثبَّت جنود ابن رشيد السلاسل في جدار بيت ابن زايد، ووضعت القيود في أرجل الرجال، وتم تعليقهم من أرجلهم بتلك السلاسل، لا يصل إلى الأرض إلا نصف ظهر الرجل ورأسه.
أما الحريم وكنت معهم! فساقوهم إلى الرس، عندها ضاقت بي الدنيا، فقد كنت صغيراً، ولا أعرف أحداً في الرس، ولا أدري أين أذهب، وليس لي أقارب هناك ، كان ابن سعود في الرس، ولكنه لم يكن راغباً في مواجهة ابن رشيد في ذلك الوقت»([89]).
كما أورد الصويان (أنموذجاً آخر) من الظلم فقال: «بعد ذلك، رحل ابن رشيد من الشنانة إلى بلدة القوعي، وهي تقع غربها، آخذاً معه من رجال الشنانة، الذين كانوا مربوطين في السلاسل، سبعة عشر رجلاً كانوا مقيدين، وترك الباقين فيها، والأشخاص الذين تركهم، هم الأشخاص الذين ليس لهم شوكة في البلد، مثل العبيد و العمَّال، أما الرجال السبعة عشر الذين قادهم معه وكان من ضمنهم والدي سليمان الصالح الصويان، فوصلوا إلى القوعي وهم شبه ميتين من الجوع والتعب؛ لأنهم كانوا طيلة تلك الفترة لا يأكلون إلا جُمَّاراً([90])، وكان عبيد ابن رشيد يقودونهم وهم مقيدون بالسلاسل.
يقول الصويان كذلك: «إن والدي سليمان أخبرني أنه عندما وصل ابن رشيد إلى القوعي، أجلس هؤلاء الرجال، وربطهم بالنياق، وأبقى سبعة من عبيده لحراستهم، نادى هؤلاء أحد العبيد، وكان اسمه مسعود، وقالوا له: داخلين على الله ثم عليك، إما اذبحنا وريحنا مما نحن فيه من العذاب، وإلا أنقذنا ببعض الأكل، وبفضل الله، تحدَّث مسعود مع أحد الأشخاص من جنود ابن رشيد، وقال له: لقد أمرني الله بإنقاذ هؤلاء المساكين، وأريد مساعدتك قال الرجل: حاضر» ([91]).
وأقول تعليقاً على ما سبق: هذه تفاصيل مرعبة، عن الظلم والغدر والخيانة، وأكل أموال الناس بغير حق، وهي روايات من شاهد عيان -كما سبق- وهذه الروايات بتفاصيلها، تؤكد معظم الروايات الشفهية المماثلة، التي سمعتها شخصياً من سليمان بن عبدالله العميري عن والده، وعبدالله بن سليمان السلومي، ووالده كذلك سليمان، المعاصر للأحداث وغيرهم، وقد اكتفيت بالروايات المكتوبة، أكثر مما سمعت من الروايات الشفهية الكثيرة، لأن المضمون واحد بينها، ولا تعارض بينها في الحديث عن هذه الواقعة وما صحبها من أحداث جِسام ونتائج عِظام.
وما سبق من ظلم وتعدي على أهل الشنانة، فقدوا به أبقارهم وأغنامهم وإبلهم، مما يمكن تسميته بالبنية التحتية والأساسية لحياتهم، حينما قطع معظم نخيلهم، وصادر سلاحهم، وَأَسر رجالهم، وانتهك حقوق نسائهم، وامتهن حياتهم الكريمة، بإنهاء جميع مصادر عيشهم، إضافةً إلى القتل والأَسر والتعذيب، وكل ذلك بسبب عدم ولائهم لدولة آل الرشيد، ومناصرة من رأوا أن وحدتهم وأمنهم واستقرارهم وعزة دينهم، تتحقق أكثر بمناصرته، وهو عبدالعزيز آل سعود، وإذا كان ما حدث لأهل الشنانة، يُعد في زاوية الظلم والعدوان من ابن رشيد، فإن ما حدث بقراءةٍ أشمل، يُعدُّ من زاوية أخرى بأن أهلها دفعوا ثمناً باهظاً، وضريبةً موجعة ومؤلمة بكل أنواع الألم، في سبيل أمنهم، ونصرة وحدة سياسية تستمد قوتها من العقيدة والدين.
وأنا أنقل هذه الروايات السابقة، شاهدت بنفسي ورأيت بأم عيني منذ صغري، ما يستحق التدوين، لا سيما أنني من أبناء هذه البلدة، حيث الدمار الكامل الذي حلَّ بمساكن ومزارع الشنانة، لدرجة أصبحت بيوتها أطلالاً بعد العمران، ومزارعها موتاً بعد حياة؛ ولذا كان رحيل أهلها القدامى الذين أسسوها، وقد لَفت نظري منذ عهد الطفولة رؤية مئات من جذوع النخل المقطوعة الهامدة، مما يعكس في الجانب الآخر مدى الخسائر، والتضحيات التي بذلها أهل الشنانة، وهو ما يُحسب أنه في سبيل الله، ثم في سبيل حماية أنفسهم وأرواحهم، ورفع الظلم عن ذويهم وبلدتهم. [انظر صور عن آثار قطع نخيل مزارع الشنانة الملحق رقم (7)]
وَذِكْر هذه المظالم والتحديات ليس مقصوداً لذاته، لكنه يؤكد مرة أخرى، أن هذا الوطن لم يتوحد بشعارات أو مزايدات سياسية، كما قد يُفهم! بقدر ما هو بتضحيات جسام، كانت الوطنية فيها واقعاً معاشاً، وليس مصطلحاً مصنوعاً أو مستورداً، والشنانة نموذج مصغر لبلدات كثيرة في هذا الوطن قدَّمت الكثير من التضحيات بأرواحها وأموالها وما تملك، ليكتب التاريخ لأهاليها كغيرهم شرف الشراكة في التأسيس والبناء.
وفي المقابل فالتاريخ يقول: الظلم والاستبداد عواقبه وخيمة في إنهاء الأفراد والمجتمعات وسقوط الدول والحكومات، وبالتالي لا غرابة أن تكون تلك النهاية لحكم ابن رشيد، فالظلم لا يمكن أن يستمر لأي حاكم أو حكومة، وعن هذا الموضوع وما يرتبط به من الاستبداد كتب عبدالرحمن الكواكبي([92]).
الدور التاريخي ونتائج المعركة
في مقام كتابة الدور التاريخي للشنانة, أو دور وقعة الشنانة التاريخية في مجريات أحداث تأسيس الدولة السعودية الثالثة، فإن إيراد بعض المرويات التاريخية وأقوال المؤرخين عن نتائج ومآلات الوقعة والمعركة، كافٍ في التعبير عن ذلك الدور, وهو ما يكشف عن الأهمية لهذه الواقعة التاريخية, ومن ذلك على سبيل الإيجاز ما ورد عن بعض المؤلفين والمؤرخين بأن هذه الوقعة والمعركة بعدها مكنت الملك عبدالعزيز من تقوية وتثبيت حكمه في القصيم.
ومن هؤلاء المؤرخ أمين الريحاني، وعنها كتب: «وقعة الشنانة، والأحرى أن تدعى بوقعة وادي الرمة، هي القسم الثاني من مذبحة البكيرية، التي قضت على عساكر الدولة، وأغنت أهل نجد.. وكانت الدولة [الأتراك] كمن خسر في المقامرة فغامر بقسم آخر من ماله أملاً باسترجاع الخسارة»([93]).
كما أن فيلبي يروي عن المؤرخ النجدي عبدالرحمن بن ناصر حجم الهزيمة بقوله: «انتهت ساحة الميدان بنصر ساحق لابن سعود, ومن الصعب أن نصف كيف أن قوة تركية كاملة تتألف من ثماني كتائب قد دُحرت في المعركة.. وأن الأتراك عانوا الهزيمة على يد شجاع ماهر، موارده تقل كثيراً عن مواردهم..»([94]).
وإلى هذا أشار حسن حسني: «القائد العثماني حسن حسني الذي شارك في قيادة المعركة بجانب ابن رشيد بيّن المعاناة التي تكبدتها قواته قائلاً: بناءً على تلك الهزيمة لم يبق لدينا نحن الضباط وكافة الأفراد سوى الأسلحة التي بأيدينا, والملابس التي تغطي أجسامنا, ولم يبق أمامنا من سبيل بعد تلك المصيبة عدا المواظبة على قــــوله تعالى )رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً ((المائدة:114)»([95]).
ولذلك فإن هذه المعركة بنتائجها صنعت تاريخاً جديداً، ويمكننا أن نؤرخ لقيام الدولة السعودية الحديثة بتلك المعركة.. حيث بدأت منذ وقتها الاتصالات السعودية الرسمية بالدولة العثمانية من موقع قوةٍ ومَنَعَة, كما شكَّلت بداية النهاية لابن رشيد ([96]).
وَكَتَبَ آخرون من المؤرخين عن هذا الحدث بما يؤكد أهميته في تأسيس الوحدة وإنهاء أبرز الخصوم، ومن هؤلاء مؤلف كتاب نهضة الجزيرة العربية، كما كتبت مؤلفة كتاب تاريخ الدولة السعودية حتى الربع الأول من القرن العشرين عن نتائج المعركة، وَأورد مؤلف الوجيز في سيرة الملك عبدالعزيز شيئاً من النتائج لهذه المعركة([97]).
وَكَتَب مؤلف كتاب (السعوديون والحل الإسلامي) عن الأهمية التاريخية لهذه المعركة، وفي كتابه ربط هذا الحدث مع الأحداث الدولية ومعادلاتها، فقال عن الصراع والنتائج: «كانت استراتيجية ابن سعود حتى الحرب العالمية الأولى، هي طي البساط إلى حائل، وفي نفس الوقت وضع المعادلة الدولية في صَفِّه، بدفع ابن رشيد إلى محالفة الطرف الأضعف عالمياً، وكان ابن رشيد بحكم قرب شمر من ولايات الدولة العثمانية والصلات القديمة مع الأتراك والعداء التاريخي بين آل سعود والعثمانيين، بالإضافة إلى جهله بالواقع الدولي، قد اعتمد على الأتراك كلية، وظن أنه امتلك بذلك عنصر التفوق، فلما دعاه ابن سعود مرة للمصالحة رد قائلاً: وهل يصالح من بيده قوة الدولة؟!.. وفعلاً قاتل معه عسكر الدولة، وتبين عجزهم في البكيرية، ثم في معركة الشنانة»([98]).
ويضاف إلى هذه الأقوال ما تم ذكره في موضوع (مرويات المؤرخين بين الوقعة والمعركة)، ومما يلحظ أن هذه الروايات التاريخية، لهؤلاء المؤرخين أجمعوا فيها على أهمية المعركة ونتائجها الكبيرة، لصالح الوحدة السياسية السعودية، حيث تُعد هذه المعركة حلقةً حاسمة في الصراع الأخير لنهاية حكم ابن رشيد، المناوئ للملك عبدالعزيز، واعتبرها كثيرٌ من المؤرخين الهزيمة النهائية لابن رشيد كما في معظم المصادر مما سبق ذكره، وهي التي كانت بعدها معركة روضة مهنا عام 1324هـ، وفيها قُتل عبدالعزيز بن متعب آل الرشيد، حيث انتهى حكم آل الرشيد في القصيم, وقد ساعد على تلك النهاية، الظلم الذي مارسه ابن رشيد السابق ذكره، تجاه أهل الشنانة بشكلٍ خاص، وتجاه أهل القصيم بوجهٍ عام، كما في ذبحة ما يُسمى (الحشاحيش)([99]) التي قُتل فيها أربعون رجلاً ظلماً وعدواناً، ولذلك لا غرابة في هزيمته النكراء المتتابعة بعد الشنانة.
وبهذا أصبحت وقعة الشنانة نقطة تحول تاريخية في مشروع إعادة توحيد الكيان السعودي، وكما أنها نقطة تحول سياسي على مستوى تأسيس الدولة، فهي في الوقت ذاته تعكس شيئاً من التحول الديموغرافي السكاني، على المستوى المحلي للشنانة، حينما هجرها أهاليها القدامى بذهابهم لبلدة الرس وغيرها، بحكم انتهاء مقومات الحياة فيها، بل أصبح الأهالي -وقد سمعتهم مراراً- يؤرخون بها بعض الأحداث، شأن الأحداث الكبرى، فيقولون (قبل قطعة الشنانة) و (بعدها).
دور بلدة قصر ابن عقيل وأهاليها في (معركة الوادي)
هي البلدة المعروفة الآن بقصر ابن عقيّل غرب مدينة الرس، وكتب عنها وعن دورها المشهود بعض المؤرخين أو المؤلفين في وقعة الشنانة، ولا سيما بعض الجهود التي قام بها أبرز رجالها ممن تواصل مع الملك عبدالعزيز قبل المعركة، فقد استقبل الشيخ محمد بن صالح بن عقيّل الملك عبدالعزيز، واستضافه مع جنده، وتحصَّنوا داخل سور القصر، قبل بداية المعركة التي كانت بوادي الرِّمة، وشارك هو وابنه عبدالله بن عقيّل ومن معهم من سكان البلدة في هذه المعركة، التي تُعد حاسمة في تاريخ تأسيس المملكة، وأبلوا فيها بلاءً حسناً، وبعد أن كسب عبدالعزيز، وأهالي القصيم عامةً، والرس خاصة هذه المعركة، قَدَّر عبدالعزيز لآل عقيل وأهالي بلدة القصر دورهم في النُصرة والدعم والمؤازرة، مما دفعه لمنح إدارة هذه البلدة لأبرز أعيانها لا يُعارضه فيها أحد، وكان أبرزهم في ذلك الوقت هو محمد بن صالح بن عقيّل، وفي هذا المَنْح كُتبت وثيقةٌ فيها ردٌ للجميل.
وهذا نص الوثيقة: «بسم الله الرحمن الرحيم.. من عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل إلى من يراه ..السلام وبعد من طرف آل عقيّل طوارف لنا وخاصية لنا، وقصرهم أمضيناه لهم، ما لهم فيه معارض، ولا لأحد عليهم اعتراض، يكون معلوم والسلام»، ولثقة الملك عبدالعزيز بهذه الأسرة فقد وجّه خطاباً آخر عام 1325هـ، يوضح فيه أن عبدالله بن محمد بن عقيّل بمكان والده، وعلى الأهالي هناك عدم مخالفتهم لأمره([100]).
وكتب الباحث إبراهيم بن عبيد، عن دور بلدة قصر ابن عقيِّل، في وقعة الشنانة عام 1322هـ فقال: «وكان في (قصر ابن عقيِّل) سريةٌ لابن سعود، فلما ذهب ابن رشيد تلك الليلة نزل على [بلدة القوعي] وَدَنَا من قصر ابن عقيل، وزحف إليه يريد ضربه، وكان القصر منيعاً ولا يُخشى عليه إلا من المدافع أن تثلم جُدُره، فهمَّ ابن رشيد في صباح تلك الليلة بالهجوم عليه، ولكن سبقه [ أنصار] ابن سعود وأرسلوا يخبرون عبدالعزيز، ولما وصل ابن رشيد إلى القصر رَكَّب في الحال مدافعه كلها عليه وشرع يضرب القصر، فلما جاء الخبر إلى ابن سعود [وكان في الرس] بأن ابن رشيد حاصر قصر ابن عقيِّل، صاح برجاله قائلاً: انهزم ابن رشيد، ونريد أن نعمل مناورة خارج البلدة، فاستبشروا وخرجوا للمناورة…
أما ابن رشيد فبعد أن شغَّل مدافعه على القصر بضع ساعات بدون طائل رَحَلَ في صباح اليوم 18 [من شهر شعبان وهي بداية المعركة] بعدما وصل ابن سعود قصر ابن عقيل ورآه ابن سعود يُرحِّلُ إبلَهُ ويُحمِّل أطوابه أَمْهلَه حتى مشى برجاله والعساكر، ثم انه خرج بخيله وجنده واتَّبع ساقتهم بجيوشه للمفاجأة، فادركهم في وادي الرمة… فجرى على ابن رشيد في هذا الوادي ملحمة فاصلة»([101]).
ثم ختم الباحث –سابق الذكر- بالقول: «لما طارد السعوديون ابن رشيد من قصر ابن عقيل وأغاروا عليه أدركوه في وادي الرمة في اليوم 18 من شعبان، فأناخ هناك وجمع جيوشه، ثم إنه نصب المدافع وبنى بيوت الحرب، وشَجَّع قومه واستبسلهم فوثبوا للسعوديين، فتهاجم الفريقان منتصف النهار»([102]).
وتكررت الإشادة ببلدة قصر ابن عقيّل وأبنائها عن دورهم المشهود مع غيرهم في هذه المعركة الفاصلة، ومن ذلك ما كتبه الأستاذ عبدالله بن محمد الرشيد، قائلاً: «ولما حصل اللقاء بين ابن سعود وابن رشيد في واقعة الشنانة عام 1322هـ اتخذ الملك عبدالعزيز من القصر مركزاً، فقام محمد بن عقيِّل وابنه عبدالله وآل عقيِّل بإكرام جلالة الملك حتى رهنوا عند أحد التجار واشتروا منه طعاماً لذلك، وقد لاحظ جلالة الملك هذا الإكرام، ولما انهزم ابن رشيد تشكَّر جلالته من ابن عقيِّل وقال: اطلبوا منى شيئاً، قالوا: كل ما نطلبه أن يعزك الله وينصرك، فألح عليهم فقالوا تكتب لنا ورقة بإقطاعنا هذا القصر، فأعطاهم ورقة بذلك، ولا تزال موجودة عندهم»([103])، وعلى أثر ذلك تمتعت عائلة ابن عقيِّل بصلاحيات معيَّنة في التخطيط العمراني والمنح لأراضيها أكثر من غيرها من البلدات، وأُعتمد مركزها الإداري تابعاً بشكلٍ مباشر لإمارة منطقة القصيم، وليس لمحافظة الرس المجاورة لها.
وعن بلدة قصر ابن عقيل وأهاليها وأمارتها آنذاك تحديداً كتب صالح بن محمد المزروع في كتابه (قصر ابن عقيِّل تاريخ وأمجاد) ما يكشف عن دورهم وشراكتهم في المعركة الفاصلة أو الحاسمة.
وبما سبق من أقوال وأحداث تاريخية مشهودة، يتبين أن لوقعة الشنانة بمعركة الوادي دوراً واضحاً، وإسهاماً تاريخياً معروفاً، في عملية تأسيس كيان الوحدة الوطنية، مما يضع أهالي الشنانة وقصر ابن عقيِّل والرس وأهل القصيم عامة مع جند الملك عبدالعزيز عوامل نصرٍ في هذه الأحداث، بل ودخول هذه البلدات عموماً في السياق التاريخي العام للنصر، وفي عملية قيام الدولة السعودية الثالثة وتأسيسها وبناء وحدتها، لا سيما أن الانتصار بمعركة الوادي كان مبكراً، في رسم خارطة الطريق لتأسيس الكيان السعودي، فقد كان الاستيلاء على الرياض عام 1319هـ، ووقعة الشنانة عام 1322هـ وفيها كان إنهاء أبرز خصوم الدولة السعودية الثالثة، مما يعني أهمية هذا الحسم العسكري والسياسي المبكر ضد الخصم.
ففي السنة الثالثة لمرحلة التأسيس، التي استغرقت حوالي ثلاثين عاماً، كان هذا الحدث، وصحب هذا كذلك بداية انحسار للدولة العثمانية في بعض المناطق الأخرى في الجزيرة العربية، فكان تاريخ اكتمال توحيد الوطن السعودي وإنهاء بقية خصوم الدولة السعودية الثالثة عام 1351هـ، وتزامن ما سبق بداية تشكلات الحدود الجغرافية والسياسية لمعظم دول العالم العربي، بما يُسمى اتفاقية وزيرَي خارجية بريطانيا وفرنسا المعروفة باسم سايكس بيكو، حيث كان بعض أقاليم العالم العربي تحت الاحتلال الأجنبي.
العقيدة صانعة النصر (موقعة الشنانة ومعركة الوادي أنموذجاً)
حين التأمل والمقارنة في تاريخ كلٍ من ابن سعود وابن رشيد كأبرز منافس آنذاك كانت عوامل الانتصار بالحسابات المادية بين الطرفين في وقعة الشنانة ومعركة الوادي، ربما تُرجِّح انتصار ابن رشيد على خصمه، حيث كانت الصفات الشخصية لابن رشيد –حسب كتب التاريخ- لا تقل عن غيره من المنافسين له، مع امتلاكه لترسانةٍ من الأسلحة، إضافةً إلى قوة في العلاقات الدولية تفوق خصمه ابن سعود، والقائدان (ابن سعود وابن رشيد) كلاهما محسوبان على السلفية والدين، ولهما نجاحات في تحقيق الأمن الاجتماعي في نطاق حكمهما، لكن الإمام عبدالعزيز كان لديه مشروع واضح منذ البداية عند إعادة الكيان، وفيه رفع شعار المنهج السلفي للدولة، وهي قضية أساسية عنده وعند جنده وأنصاره من العلماء والقبائل الموالية، بخلاف ابن رشيد والآخرين من المنافسين الذين لا يمتلكون قوة الفكرة الموحِّدة، وهو ما يعكس التأثير القوي للفكرة حول قيام الدولة لدى عبدالعزيز وأنصاره من العلماء وجنده من المجاهدين، بل إن وضوح الفكرة لدى معظم الدول بعد وجود القيادة لها هو بداية النصر، ولذلك كانت فكرة العقيدة في الحالة السعودية عامل حسمٍ في عملية التوازنات السياسية، وفي الصراع والانتصار كذلك.
وحين يقارن المؤرخ ابن عبيد بين واقع الجيشين يتضح أثر الإيمان بفكرة الوحدة السياسية القائمة على وحدة العقيدة مقابل القوة العسكرية العاتية والتجمعات البدوية الموالية لابن رشيد، فيقول: «على أن المَلَلَ لم ينحصر في بادية ابن سعود، بل كانت قد ظهرت أنواع التضجر والملل في عساكر ابن رشيد وجموعه، فقد قامت عليه باديته تقول: هَلَكَتْ مواشينا وهَلَكَتْ أولادنا جوعاً، فإما أن نرحل جميعاً فنمشي وراءك، وإما أن نرحل نحن ونَذَرَك، فأجابهم ابن رشيد يقول: كيف نرحل ولا ركائب عندنا لعسكر الدولة؟ وذلك لأنه تلف عليه عشرة آلاف (10.000) ذلول في حصار الشنانة والمناوشة بعدها، فقال رجال شمر: كل قبيلة منا تُقدِّم الركائب لقسم من العسكر فَقَبِلَ ابن رشيد وأمر أن تُوزع أمتعة العسكر أحمالاً على شمر، وذلك عندما خاف من تفرق قومه لطول المقام، ولئلا يدعهم ينتشرون لرعي إبلهم وجيوشهم!!، حتى أكلوا جميع ما في الشنانة حتى النخيل، ثم عزم على الرحيل تاركاً عدوه وراءه، فيا عجباً لسوء هذا التدبير، كيف رفض الصلح الشريف الذي عُرض عليه ورحل بدون طائل، بل إنه رحل رحيل المنهزم المغلوب»([104]).
ثم يصف ابن عبيد بعض صور المعركة كانتصار ابن سعود ومآسي ابن رشيد، قائلاً: «ثم إن ابن سعود عند ما رأى جناح العدو متقهقراً صمد لهم بهجمة عنيفة، وشوهد منه بسالة لا تنسى، فهدم بيوت الحرب، واشتد الحرب والضرب والطعان، واشتبكت بين الفريقين ملاحم تشيب لها النواصي وتعجز عن مقاساتها الجبال الرواسي، وحصلت ذبحةٌ هائلة، فانكسر ابن رشيد وولَّت عساكر الأتراك الأدبار لا يلوي أحد على أحد، وانهزم ابن رشيد هو ورجاله، وفر الجميع هاربين فأراد ابن سعود أن يتعقبهم»([105]).
ويقول ابن عبيد عن عملية جمع غنائم ابن رشيد المهزوم: «الحملات والأموال والغنائم شغلتهم عن تتبع الفارين، فَشُغِلوا بها حتى جَنَّ الليل وهم ينهبون [يغنمون] بها، ثم عادوا في اليوم الثاني والثالث والرابع، وظلوا عشرة أيام وهم يجمعون الغنائم من الأسلحة والذخائر والأمتعة والثياب والنقود، سوى الإبل والغنم، وما وجدوا من الأموال بين تلك الأحمال من صناديق الذهب والمؤن، فحملوها إلى عنيزة مقر ابن سعود فوزَّعها مثل بقية الغنائم على رجاله، ولم يأخذ منها شيئاً لنفسه. تـالله إنهـا لغنيمة عظيمة جسيمة، قسمها ابن سعود بين رجاله، فأصاب الرجل الواحد مائة وخمسين (150) ليرة ذهباً، وبضعة وعشرين بعيراً، إلى مالا يُقدَّر من الأثاث وغيره من الأشياء الثمينة»([106]).
ويختم المؤرخ ابن عبيد القول عن أثر هذه الواقعة على المعادلة السياسية بين معسكرين متخاصمين في الجزيرة العربية وقوتين متنازعتين على النفوذ فيها موضحاً للقارئ إنهاء قوة الخصم ابن رشيد رغم ضخامة الإمكانات عند الأخير، لكن بضعف بيِّن في عدم وضوح الهدف عنده وفي جيشه، ونقصان ظاهر في العقيدة القتالية في صفوف جيشه.
وحسب التاريخ وحوادثه فإن طلب الحكم والمُلْك لوحده غير كافٍ للانتصار، كما أنه غير مُقنعٍ للأنصار والأعوان، وعن أثر هذه العوامل في النصر والهزيمة، كتب المؤرخ ابن عبيد: «وقضت هذه الواقعة [وقعة الشنانة في وادي الرمة] على ابن رشيد وعساكر الدولة ما قضت وقعة ذي قار على الفرس، وكانت هذه الواقعة الحاسمة قد غيَّرت مجرى التاريخ في جزيرة العرب، وانفصلت عن نتيجتين هما [القضاء على] نفوذ الأتراك وهيبتهم في نجد قضاءً مبرماً، وزعزعة ملك ابن رشيد، فلم تقم له قائمة بعدها، أما العساكر فقد تفرقوا شذر مذر، ومات بعضهم من الوباء، وغالبهم قام عليهم أهل القصيم يصطادونهم ويذبحونهم»([107]).
أقول إضافة لما سبق من روايات ونقولات تاريخية مكتوبة عن حجم جيش ابن رشيد والفوارق مع جيش ابن سعود في وقعة الشنانة: سمعت شخصياً بنفسي -روايات شفهية- من كثير من كبار السن عن آبائهم من أهلها مثل الوالد عبدالله السلومي وأخيه صالح، وسليمان العميري وغيرهم، ومما قالوا عن هذه الحادثة: إن جيش ابن رشيد كان منتشراً أوله في الشنانة وآخره كان في (قصر ابن عقيِّل) وهذه المسافة حوالي خمسة أكيال أو أكثر قليلاً، مع إبلهم ومواشيهم، مما يعكس القوة العددية لجيش ابن رشيد، وإضافة إلى هذا فقد وصف المؤرخ ابن عبيد حجم الغنائم الكبيرة التي خلَّفها جيش ابن رشيد المهزوم ومعه جند الدولة التركية بإمكانياتهم المادية والعسكرية الضخمة، وما سبق يعكس الفوارق في الإمكانات المادية بين الجيشين، لكن الاختلاف كان في القوة العقدية، وهو ما حسم الوضع.
وحول النتيجة أو مخرجات هذا الانتصار، فهزيمة ابن رشيد مما يُعد من بواكير انتصار العقيدة لدى جند الدولة السعودية الناشئة، وذلك قبل اكتمال تشكيلات جيش الجهاد من الإخوان([108]) وغيرهم، والذي بمقتضاه أن كل مواطن يؤمن بهذه العقيدة أصبح جندياً مقاتلاً محتسباً الأجر من الله، ولذلك كان الشروع فيما بعد هذا الانتصار في فكرة التوطين لتحييد قبائل البادية من الأعداء، بل وكسبهم في صفوف المقاتلين أنصاراً للدولة الناشئة، ولهذا كانت ردود الفعل الأجنبية المضادة للفكرة الموحِّدة بمواقف مناوئة([109])، لأن هذه القوة المتنامية قائمةٌ على أساس العقيدة والجهاد، وباكتمال هذه القوة الجهادية المنافسة للقوى الأخرى توحَّد الداخل، وضعفت مخاطر الخارج، وتقاصر الأعداء عن تهديدات الدولة الناشئة.
ويؤكد المؤرخ كشك الرؤية التاريخية حول أساس الوحدة، وحول هذه القوة العسكرية الناشئة، التي تكوَّنت خلال عقدين من الزمن كجيش جهادي، حيث قال: «هكذا بالنظام الجديد استطاع عبدالعزيز إخضاع كل القبائل التي استمرت تقاتل بالأسلوب البدوي، وهَزَمَ جيش الأتراك النظامي والدائم، وكذلك جيش الملك حسين رغم مدافعه وطائراته وخبراته من الروس والشوام، وأقْنَع بريطانيا بتجنب مواجهته وجَعَلهُ يفخر بقوله: إن ورائي ما لا يقل عنِ «أربعمائة الف (400.000) مقاتل، إن بكيتُ بكوا، وإن فرحتُ فرحوا، وإن أمرتُ نزلوا على إرادتي وأمري، وإن نَهيتُ انتهوا، وهؤلاء هم جنود التوحيد إخوان من أطاع الله» ومعروف أن هتافات الإخوان هي: خيال التوحيد.. أهل التوحيد.. أخو من طاع الله.. هبت هبوب الجنة.. وين انت يا باغيها.. يا ويل عدو الشريعة منا..إياك نعبد وإياك نستعين»([110]).
وإذا كانت هذه الأحداث والروايات التاريخية تُشير إلى أن العقيدة هي الموحِّد الرئيس، فإن هذا لا يعني عدم وجود عوامل أخرى مساعدةً محلية ودولية ذات أهمية في صناعة الوحدة، كقدرة القيادة السياسية على التأسيس وحشد المناصرين والأعوان، ونصرة العلماء للمؤسس بمواقفهم وفتاواهم كقناعات شرعية باستبدال الغالب على غيره حول ما يُسمى الخروج عن طاعة ولاية الدولة العثمانية، مع ما صاحب هذا من ضعفٍ لهذه الأخيرة وسقوطها، ويضاف إلى هذه العوامل أهمية التحالفات السياسية مع القوى الأجنبية أو دعم بعضها، كما أن من العوامل المساعدة أن هذا التأسيس تزامن دولياً مع التشكلات الجغرافية لمعظم دول المنطقة ورسم الحدود السياسية واتفاقياتها الدولية، وهي عوامل تؤخذ بعين الاعتبار ولها أهميتها التاريخية.
– أهمية العقيدة وأثرها:
من حقائق التاريخ -كأنموذج- في (موقعة الشنانة) أو معركتها حسب تسمية بعض المؤرخين، أن الجيش الجهادي للإمام عبدالعزيز –كما يُسمى آنذاك- بأنصاره وأعوانه لم يكتمل تشكيله بالصورة التي تكوَّنَ بها فيما بعد بما يسمى حركة الإخوان، ومع ذلك فإن الأفكار أو ما يُسمى اليوم بالأيديولوجيا المنبثقة من العقيدة لم تكن غائبة عن معظم المجتمعات الحضرية من الأُسر والعشائر، فقد كانت القوة الجهادية حاضرةً لديهم، ولذلك انتصرت أيديولوجيا العقيدة القوية على الضعيفة مع المنافسين، وتكمن قوة الأولى عند المؤسس عبدالعزيز آل سعود وجنده وأنصاره بأنهم أصحاب مشروع إقامة (دولة عقائدية) –كما هي الروايات التاريخية-.
وعلى سبيل المثال تأكد وجود هذه القوة الدافعة عند أهالي الشنانة والرس وبلدة قصر ابن عقيّل، وأهل القصيم بشكل عام، حينما كان جهادهم ضد غزو ولاة مصر لديارهم سابقاً، ثم لاحقاً ضد ابن رشيد لرد الظلم والعدوان، والدفاع عن الأنفس والأموال والأعراض، وهي قوة لديهم أوضح منها عند خصومهم من الخارج أو الداخل، بل إن بعض الروايات التاريخية تذكر أن الإمام عبدالعزيز ربما لحسابات سياسية، كان متردداً حسب الروايات الشفهية وبعض الروايات التاريخية المدوَّنة([111])، وذلك في البدء بخوض المعركة سابقة الذكر، ولكن العقيدة التي يؤمن بها المجتمع المغزو آنذاك كانت من العناصر الفاصلة في التعجيل بمواجهة الخصوم، والاندفاع من قبل الجند والأنصار في البدء بقتال ابن رشيد، وبالتالي هزيمته وحسم المعركة.
وعلى سبيل المثال يقول المؤرخ إبراهيم بن عبيد عن أبرز مقدمات موقعة الشنانة ونتائجها، إضافةً إلى بطولة الرس وثبات أهلها في مقاومة ابن رشيد كذلك: «رحل ابن رشيد من بلدة الخبراء إلى الرس، فهجموا على بواديه وغنموا عدداً كبيراً من الإبل، ثم نزل ابن رشيد في الشنانة على مسافة ساعة من الرس [غرباً]، فنزل ابن سعود في الرس، ثم إنه قام ابن رشيد فنصب مدافعه على الرس، وجعل يضربها كما ضربها إبراهيم باشا في طليعة القرن الماضي، وما أشبه الحالتين ببعضهما! فدافع أهل الرس على عادتهم في الشجاعة حتى الرمق الأخير وثبتوا ثباتا عظيماً»([112]).
بل إن المؤرخ ابن عبيد وصف حال البادية وعدم ثباتها للقتال، بسبب غياب العقيدة الدينية قبل أن تكون جهود المطوِّعين في التوطين العقدي الفكري في أوساطهم، كما وصف جيش ابن سعود وإمكانياته العددية المحدودة المتواضعة مقارنةً بجيش ابن رشيد وإمكانياته المادية والعسكرية الكبيرة، فقال: «ومع أن بادية ابن سعود قد تفرقت كما هي عادة البدو حيث يتبعون مصلحة أنفسهم، لا سيما أنهم يريدون رعي مواشيهم، ولم يكن لابن سعود أن يُكرههم على البقاء لأنهم لم يكونوا من الجند بل كانوا متطوعين متكسبين، ولم يبقَ مع عبدالعزيز غير ثمانمائة (800) من الحضـــــر، وثلاثمـــــائة (300) مــــن رؤســـــاء القبائـــل، فــــإن هـــــؤلاء ما كانوا ليتركوا ابن رشيــــد»([113]).
وفي المقابل حول عوامل القوة والضعف والنصر والهزيمة، ذكر المؤرخ المصري عبدالرحمن الجبرتي في كتابه ما يكشف عن بعض الأسباب لهزيمة طوسون باشا كأنموذج، وحالة الضد تتميز بها كثيرٌ من الأشياء، وعنها قال: «ولقد قال لي بعض أكابرهم من الذين يدَّعون الصلاح والتورع، قالوا: أين لنا بالنصر، وأكثر عساكرنا على غير المِلَّة، وفيهم من لا يتدين بدين، ولا ينتحل مذهباً، وصَحِبَتنا صناديق المسكرات، ولا يُسمع في عرضينا أذان، ولا تقام به فريضة، ولا يخطر في بالهم ولا خاطرهم شعائر الدين، والقوم إذا دخل الوقت أذن المؤذنون وينتظمون صفوفاً خلف إمام واحد بخشوع وخضوع، وإذا حان وقت الصلاة والحرب قائمة أذن المؤذن وصلوا صلاة الخوف، فتتقدم طائفة للحرب وتتأخر الأخرى للصلاة، وعسكرنا يتعجبون لأنهم لم يسمعوا به، فضلاً عن رؤيته…»([114]) وهكذا بضدها تتميز الأشياء.
التوأمة بين العقيدة والسياسة في الوحدة
تأتي أهمية هذا الموضوع، حيث العقيدة ودورها في الوحدة السياسية التي هي عنوان الكتاب مع الرس، كما أن الأهمية تتأكد بالشراكة المجتمعية من العلماء والقضاة والمطوعين بأدوارهم في نشر العلم والدعوة وتوطين وحدة العقيدة التي أثمرت الوحدة السياسية، وللرس بأهاليها نصيبٌ وافرٌ من هذه الشراكة في التأسيس والبناء، كما تتضاعف الأهمية لهذا الموضوع في تبصير الأجيال بمعرفةٍ أكثر عن مكامن القوة السياسية للدولة في القديم والحديث.
ومن يقرأ في بعض الأحداث التاريخية المرتبطة بالرس على سبيل المثال، أو يتأمل في جوانب التاريخ السعودي بشكل عام يرى أثر هذه التوأمة، وكذلك من يَطَّلِع أو يبحث في كِتابات الرحَّالة الغربيين خاصة كتاباتهم ومؤلفاتهم عن الدولة الثالثة ودور العلماء أو المطوِّعين المتطوعين يدرك مدى العلاقة بين العقيدة والسياسة. وهو ما يُسمى اليوم –خطأً- من قبل الأعداء بالإسلام السياسي([115]).
ووفق فهم سلف الأمة لما ورد في الكتاب والسنة، فإن عموم المجتمع بعلمائه يعتقدون بأن الدين منهج شامل للحياة بكل جوانبها، ولهذا أثره القوي ليس في الحراك العلمي والثقافي فحسب، بل إن التعليم الموحَّد والدعوة بمنهج واحد زمن تأسيس الوطن السعودي وفي مراحل بنائه كان لهما الأثر الكبير على وحدة الدولة بتلازم ين العقيدة والسياسة، وقد أدرك عبدالعزيز أهمية العقيدة والتشريعات الإسلامية وتوظيفها لهذا الغرض، ومنها التشريعات في معظم أوجه الجانب السياسي لهذا الدين كالتعاون على البر والتقوى وعدم التفرق والنزاع، وكالبيعة والسمع والطاعة، ومن هذا الإدراك وُلدت راية الوطن التي تجمع في شعارها بين العقدي والسياسي، واجتماع الجميع تحت هذه الراية، ويتضح هذا الدور الكبير والمؤثر في كسب نصرة القبائل والعشائر والأسر والعلماء وطلابهم والمجاهدين، وفاعلية هذا المؤثر على التوافق الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم.
وحول هذه التوأمة في الوحدة العقدية السياسية ومخاطر تجاهلها أو فقدانها، كتب الشيخ صالح الحصين –رحمه الله- مذكِّراً ومنبهاً في إحدى بحوث مؤتمر المئوية، قائلاً: «تنشأ الدول وتبقى على أساسين: القوة المعنوية والقوة المادية. ويُقصد بالقوة المعنوية نسيج الأفكار والتصورات العقدية التي تشكل الباعث على مجموعة الأنشطة التي أسهمت في إنشاء الدولة، والتي عُدَّت مُسوغ وجودها، ويمكن تصور بقاء الدولة مع ضعف أسنادها المادية واختلالها إذا لم يوجد تحد خارجي مضاد، ولكن فقدها لقوتها المعنوية يعني انتهاء مُسوِّغُّ وجودها لهويتها.
أساس القوة المعنوية للدولة السعودية هو الدعوة إلى الإسلام بمعنى العمل على إرجاع الناس إلى الإسلام النقي الصافي، كما جاء به نبيه r عقيدةً وعملاً ومنهجاً شاملاً للحياة، وهذا الأمر هو ما يشكل هوية الدولة وقاعدة الانتماء إليها وأساس الولاء لها.
ولهذا فإن العمل على تطبيق الإسلام خالصاً نقيّاً من الشوائب –ووسيلة ذلك الدعوة– ليس مجرد وظيفة من وظائف الدولة السعودية، وليس فقط مجالاً من مجالات نشاطها، بل هو روحها وحياتها والغاية التي لا محيص لها من أن يتغياها كل نشاط من أنشطتها، وهو هويتها، ويستحيل أن يكون لها هوية غيرها، فلا هي تنزع إلى لغة تتميز بها، أو تاريخ يختص بها، أو عنصر سكاني متميز، أو أيدلوجية متميزة، غير العمل على أن يكون الإسلام المنهج الشامل للحياة وأن يكون الدين كله لله، وأي غفلة عن مقومات الهوية للدولة، أو إخلال بها أو تهاون في المحافظة عليها هو عامل هدم يتحقق أثره بقدر حجمه»([116]).
كما أن محمد الصويان المعاصر لأحداث الشنانة يؤكد مثل غيره من رواة الأحداث التاريخية عن عبدالعزيز بن سعود أهمية الإسلام القائم على الشرعية السياسية وإن كان لم يصرح بهذا اللفظ، ولكنه أكد أن توحيد الدولة ودحر الأعداء نجح حينما قامت على قيم الإســــــــلام جهــــــاداً وبيعة، واجتماعاً على الكتــــــاب والسنة، قـــــــائلاً: «عاشت الجزيرة العربية فترة من الفوضى والاضطراب والجهل, ولكن الله منَّ عليها وعلى المسلمين بجمع كلمتها تحت راية الإسلام الخالدة: (لا إله إلا الله, محمد رسول الله) فقام الإمام محمد بن سعود بمؤازرة الشيخ محمد بن عبدالوهاب, وتأسست الدولة السعودية الأولى الكريمة التي اتخذت كلمة التوحيد شعاراً لها ومنهجاً لحياتها وأساساً لنظامها، وأكد ذلك الملك عبدالعزيز حين دخل مدينة الرياض في الخامس من شوال سنة 1319هـ»([117]).
إلى أن يقول الصويان: «كان ابن رشيد مستولياً على أجزاء من القصيم… وتمت سيطرة الملك عبدالعزيز على القصيم, وانضوت تحت الحكم السعودي في 15/3/1322هـ، وبعد أن سيطر عبدالعزيز على القصيم جاء ابن رشيد ومعه عدد كبير من رجال البادية والحاضرة, حيث استعان بعرب شمَّر في العراق واستنجد بالأتراك, الذين أمدوه بنجدة شملت أحد عشر طابوراً وأربعة عشر مدفعاً ماعدا المؤونة والذخيرة والمال»([118]).
وبعد هذه الأقوال المحلية والمعاصرة تقريباً عن التأسيس والبناء، وبعد بحث في بعض جوانب التاريخ، إضافةً إلى السماع المباشر من بعض كبار السن أقول: لقد تَفَهم عبدالعزيز أهمية علماء الدين ومطوِّعة الخير بمنهجهم الصحيح، وأدرك قيمة هذا المنهج في سياسة التوطين التي انتهجها، كما أدرك عنصر القوة للدولة أمام أعدائها وخصومها، فجميع القرى والهجر التي نشأت بغرض توطين البادية كان من لوازمها وأركان نجاحها إيفاد المتطوعين المطوِّعة لها.
ويؤكد تركي بن عبدالله بن عبدالرحمن([119]) على هذه التوأمة التي يسميها في كتابه مزج دور القيادتين، وأن الرسالة أساساً هي عامل النجاح، قائلاً عن أصلها وجذورها: «هي رسالةٌ واضحةٌ يفهمها القادة مثلما يفهمها العامة بيُسر، وإن وجود هذا العامل كان من أهم أسباب نجاحها؛ رسالةٌ واضحة لها مرجعية ذات صدقية عالية مما ييسر قبولها والانضواء تحت رايتها… كان لابد لها كي تنجح من وجود قيادتين عند نشوئها، فالدعوة تدعو إلى تغيير شامل في حياة الناس والعودة إلى صفاء جذورها الإسلامية، وخلو البيئة لدى العامة من كل وضوحٍ [مضاد] للسلوكيات الإسلامية واختلاف المفاهيم حيالها، وضرورة استعمال السلطة ووجود القوة والقدرة السياسية والحربية، هذه المهمات لا تتوافر شروط القيادة فيها في شخص واحد عند البدء، ومع أن دور ابن عبدالوهاب الأساس هو الاعتناء بالأمور الدينية، ودور ابن سعود القيادة السياسية والحربية وحفظ المصالح، إلا أنه لا يمكن فصلهما في مرحلة التكوين، وهكذا كان مزج دور القيادتين وفي وجودهما معاً أمراً مهماً لنجاحهما عند البدء والتكوين»([120]).
والجهود التي قام بها كثيـرٌ من المحتسبيـن والمطوِّعة والمعلمين والمرشدين في طول البلاد وعرضها لا تخـرج عن تحقيـق هـــــذا الهـدف بشكل مبـاشر أو غيـر مباشر ابتغاء مرضـــــاة الله والدار الآخرة ليتحقق أمن المجتمع والدولة على حدٍّ سواء، فالدين بعقيدته وشريعته هو الموحِّد الحقيقي للأمة المسلمة، وبعدالة الشريعة يتحقق كسب العقول والقلوب والأفكار، وهذا الكسب هو ما تسعى إليه جميع الدول مع شعوبها.
وما دُوِّنَ عن موضوع التوأمة بين العقيدة والسياسة في هذا الكتاب وغيره من الكُتب العلمية التاريخية بعبارات مباشرة أو غير مباشرة، إنما هو وصف مختصر لواقع تاريخي مشهود ومعلوم يرتبط أكثر بحالةٍ دراسيةٍ واحدة حيث الرس، لكنه يتأكد أكثر كلما كثرت البحوث والدراسات عن حالاتٍ دراسية أخرى لبلدات هذا الوطن، وبهذا تتأكد إعادة القراءة التاريخية في كتب التاريخ عن أحداثه والاستفادة من كل ما دوَّنه المؤرخون عن هذه المرحلة التاريخية، حيث كان سر النجاح بالرسالة أو المنهج الموحِّد أكثر مما هو بالأشخاص، ولكلٍ دوره في التأسيس والبناء.
والخلاصة في هذا الفصل بأن من الحقائق أن لكل أمة من أمم الأرض فكرة تجتمع عليها الأمة، ويتوحَّد بها الوطن، وتُجيِّش الشعوب، وتكون بها سيادة الدولة وقوتها، والفكرة الموحِّدة هنا لبلاد الحرمين (المملكة العربية السعودية) ليست أي فكرة، بل إنها تنبثق من عقيدةٍ عظيمة جمعت ووحَّدت، وانبثقت منها أفكار (أيديولوجيات) سياسية واقتصادية واجتماعية إلى حدٍّ كبير، بل إن تلك العقيدة الواحدة مُوَحِّدةٌ بين الحاكم والمحكوم وحامية لهما، حيث العقيدة الصحيحة مُجنِّدةٌ لمعظم فئات المجتمعات المسلمة بالتطوع والجهاد والتضحية بالنفس والمال، وكانت مقاومة جيش إبراهيم باشا المحاصِر للرس والانتصار عليه زمن الدولة السعودية الأولى نموذجاً من نماذج العقيدة القتالية، كما أن معركة الشنانة نموذج آخر مصغر أو مُكَبَّر!! لما سبق توضيحه عن أهمية العقيدة وأنها هي المصنع الحقيقي للقوة التي تُرهب الأعداء والمناوئين، ولذلك فالعقيدة وما فيها من تطوع وجهاد هي الفكرة التي صنعت التاريخ السعودي، ولهذه الاعتبارات -حسب التاريخ- فالعقيدة هي أهم الموروثات الدائمة التي تستحق الوقوف والتأمل في أي إصلاحٍ أو تجديدٍ أو تحديثٍ لقوة الدولة.
وحُقَّ للتاريخ السعودي أن يفخر بتوحيد وطنه بدينه وعقيدته، وأن يكون لهذا التاريخ امتداد في التاريخ الإسلامي.
*****
الملاحق
الملحق رقم (4)
(أبرز عوائل وأسر الشنانة قديماً)
يذكر الشيخ عبدالله وأخوه صالح أبناء سليمان السلومي وهم من مواليد الشنانة وسكانها القدامى: أن الشنانة أملاك كثيرة، وليست مُلْكاً واحداً أو أملاكاً محدودة، وأن من سكانها الأولين القدامى الشارخ من العجمان أمراء الرس قديماً، ومن سكانها كذلك عائلة البلاع من الصيخان ولهم أصل البلاعية وبعدهم باع آل غيلان ملكهم من قرية البلاعية بالشنانة على عائلة الخليفة([121])، ومن السكان القدامى الشايع والبغيليل، والصويان، وهم معروفون ومزارعهم معروفة، والراقي وهم غير معروفين الآن بالقصيم([122])، والجديعي وهم معروفون ولهم الآبار المعروفة قلبان الجديعيات جنوب شرق ظلما([123])، والبريثني وهؤلاء غير معروفين الآن، ومن عوائل الشنانة القديمة الظواهر من قبيلة حرب، وعائلة السلومي، والطاسان، والمعثم، والمساعيد من المشرَّف من بني تميم، والمسعودي من شمَّر، والدهلاوي من شوارخ العجمان، وغيلان العنزي أو الشمري باختلاف بين الروايات حول قبيلة آل غيلان، وكان ممن سكن قصر ابن عقيل وهو ممن باع بعض الأملاك على أولاد خليفة بن منيع، وغيلان يُعد من أوائل من أحيا وأسَّس بعض القلبان (آبار) بالشنانة، وزرع بعض الأراضي بها، وله قلبان معروفة من أشهرها قليب غيلان بين المرقب والرشيدية، وكذلك من القبائل والعشائر المشهورة في تاريخ الشنانة القديم البواهل وفي أرضهم بُني مرقب الشنانة وأشهرهم الجنيزر البواهل ولهم المزرعة المعروفة باسمهم الجنيزرية([124])، وعائلة المهنا من المساعيد، وكانت أملاك الشنانة ومزارعها وبيوتها مشاعة بين هؤلاء وغيرهم، ويُعد هؤلاء جميعاً ممن أسسوا الشنانة القديمة، وقد تحوَّل كثيرٌ منهم إلى الرس، وبعض هؤلاء باعوا أملاكهم على بعض رجال الخليفة وعلى غيرهم.
وعَدَّ سليمان بن عبدالله العميري([125]) وهو من سكان ومزارعي الشنانة القديمة، ولديه معرفة كافية عن السكان الأوائل للشنانة وأملاكهم خاصة قبل قطعة ابن رشيد، بل وأحصى قبائلهم وعشائرهم ومزارعهم المعروفة بأسمائهم فقال: «كانت مزارع الشنانة معروفة بأصحابها وهي كالتالي: مزرعة فوزة للصويان، مزرعة الرِّشيْدِية والمالكين لها هم الرُّشَيْد (وليس الرَّشِيِد)، مزرعة ظلما للشوارخ وهم الذين أسسوا ظلما ثم بعد ذلك انتقلت لخليفة بن منيع وأولاده الأربعة، وفوقها من الجنوب الشرقي قلبان البريثينيات، مزرعة الظاهرية للظواهر، مزرعة العلاقية، مزرعة الصويانية للصويان، ومقاطير المساعيد (مساعيد المطية)، مزرعة محل الكِرْشان من المفيز مزرعة محل العِيصْ من الرميح المفيز، مزرعة الوسيطا للشوارخ، ثم أصبحت وقفاً للمسجد في الشنانة الوسطى (العلـوة)، مزرعة البغيليل من الزهير، مزرعة محل العوفان (جد عوفان أبو مروة)، مزرعة محل الرشيد لعائلة الرشيد، مزرعة العلوانية للعلوان وهم من المفيز، مزرعة المصرقعيِّة للعميري والأصل للشوارخ، مزرعة القريشية للقريش، مزرعة مقطر الصويان للصويان، مزرعة الراقية ونفجة للعميري، مزرعة الخطيبية للعمَّارِي (من أهل عنيزة الآن)، مزرعة الرشَيْدِيّة للدباغ والخليفة، مزرعة الدهلاوي للدهلاوي وهم من العجمان، مزرعة الخُنينية لابن زايد، مزرعة محل الطاسان للطاسان تحت أرض الرشيدية، مزارع أبو مروة للصويان، مزرعة العَبُّوش بجوار الرشيدية، مزرعة العميري للعميري، مزرعة المعَثَمْ للمعَثَمْ، وما سبق يُعدُّ من أبرز عائلات الشنانة القدامى، وأملاكهم معروفة في الشنانة القديمة، ثم تحولت بعض الأملاك إلى آخرين، وظهرت بعد ذلك أملاك أخرى بالشنانة الوسطى (العِلْيَا)، ومن ذلك مزرعة المقطر للرشِيد مشتراة من سليمان الخليفة، مزرعة محل السعودية مشتراة من العميري للحوثل من الخليفة، مزرعة العُلوَّة للحوثل كذلك، وكذلك طَلَعَت مقاطر البلطانية للبلطان وهم من (العجمان) وهم أول من أسس هذه القرية وسُميت نسبةً إليهم، ثم مقطر نخيل للمحسن من عائلة الخليفة وهو أكبرها، ومقطر ثاني لخليفة المنيع ثم مقطر الحسين من الخليفة، وكانت مزارع البلاعية التي قطعها ابن رشيد لابن بلاع وسُميت بأسمائهم، وأعلاها جنوباً مشتراة للخليفة المحمد من آل غيلان وهي الشنانة العليا وتسمى البلاعية، والكرشان شمال البلاعية عند الصُّفَيِّة، مزرعة السباطي من الخليفة، مزرعة المحمد وهي على الشعيب الشرقي قِبْلة برزان لفرع المحمد من الخليفة، مزرعة برزان للسليمان من الخليفة (بعد ظلما)، مزرعة المنيعية للمنيع من الخليفة ثم السلومي بعد ذلك، مزرعة مزعلة لعلي العبدالله الخليفة (الحوثل)، ثم لقُطيَّان من الخليفة بعد قطعة نخيل الشنانة، محل حزم النْظَام([126]) لآل غيلان (شمال غرب مزرعة العميري)، وشغية مسعود (مقطر المسعودي)، وكثير من أملاك الشنانة كان مؤسس قلبانها وآبارها آل غيلان، ومنها ما باعوه على الصويان وعائلة خليفة وغيرهم»([127]) انتهى.
ومن الأسر والعائلات المشهورة ببلدة الشنانة عائلة السلومي والفلاح والرميح كأسرٍ ارتبطت كثيراً بخدمة البلدة في العلم والتعليم والحسبة وإمامة المساجد.
وهذا ليس استقصاءً كاملاً لمُلاَّك وسكانها القدامى أو عن جميع الأهالي القدامى الذين عمروها وغرسوها، ولكنه عن أبرز العائلات المعروفة التي أسست أو سكنت الشنانة قديماً.
الملحق رقم (5)
(أ) من صور وثائق قرية الجُديِّدة.
(ب) صورة من الصك الشرعي المميز من محكمة التمييز عن عدم ثبوت الوقفية.
الملحق رقم (6)
صور مراحل مرقب الشنانة
الملحق رقم (7)
صور من آثار قطع نخيل مزارع الشنانة (القطعة)
*****
الهوامش ( المراجع والمصادر):
([1]) مما يُلحظ وجود كتاب وثائقي تمت الاستفادة منه كثيراً حول تاريخ الشنانة وبعض أحداثها، وهو بعنوان: (صفحات مطوية من تاريخنا الشعبي) للأستاذ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الصويان، وأهميته الكبيرة بقيمته العلمية التي هي روايات لشاهد عيان عن عصره وهو محمد الصويان، كما أن التزام الصويان بمنهجية التوصيف التاريخي عزَّز من علميته، ولم يكن كتاباً دعائياً لجهة معينة أو أسرة محدَّدة، وهناك كتاب آخر بعنوان: (الشنانة ودورها التاريخي عبر مراحل الحكم السعودي) للدكتور خليفة بن عبدالرحمن المسعود، والكتاب الثاني يعكس بعض الجهد العلمي في الروايات التاريخية عن معركة الشنانة كما سماها، بالرغم من وجود مآخذ وملاحظات مؤثرة على علمية الكتاب تستوجب الاستدراك والتصحيح، لأنها تتعارض مع حقائق التاريخ وواقع الشنانة، خاصة موضوع سكان الشنانة وأهاليها القدامى الذين أسسوها، وكذلك عدم ذكر أمراء الرس من الشوارخ الذين سكنوا الشنانة، حيث لم يرد في المصادر التاريخية أن الشنانة كان لها أمير خاص بها!
([2]) انظر: محمد ناصر العبودي، معجم بلاد القصيم، ط2، الرياض: مطابع الفرزدق التجارية، 1410هـ (1990م)، ج3/ص(خ – ش).
([3]) انظر: المرجع السابق، ج3/ص(خ – ش).
([4]) هذه العبارة يتناقلها كثير من كبار السن في الشنانة، لكن العبارة قد يكون فيها شيء من المبالغة، فمزارع الصويان وحدها محدودة بالرغم من كثرتها، لكن إذا كان المقصود مزارع ظلما وقرى الشنانة كلها فيمكن قبول هذا القول.
([5]) انظر: عبدالرحمن بن عبدالعزيز الصويان، صفحات مطوية من تاريخنا الشعبي, الرياض: مطابع أضواء المنتدى، 1431ه، ص18.
([6]) يلحظ أن إمارة الرس استمرت في عائلة الشوارخ حوالي سبعة أمراء أو تسعة، وكان لهم دورٌ تاريخيُ معروف كغيرهم في إدارة البلدة وأمنها واستقرارها، وعن سكنى بعضهم بالشنانة فهو مما يتطلب البحث في هذه المعلومة التاريخية التي تخص سُكنى أمراء الرس في الشنانة.
([7]) انظر عن هذه المصادر بالتفصيل ما ورد عن هذه الغزوة في الفصل الخامس من هذا الكتاب تحت عنوان (غياب الوحدة الفكرية).
([8]) عن موضوع رجوع ابن شارخ من الدرعية واستيطانه الشنانة، انظر مجموعة مقالات بعنوان (برج الشنانة) موسوعة ويكيبيديا الحرة، الرابط التالي: https://bit.ly/2mhYMkX، وانظر: دليل السياحة السعودية، الرابط التالي: http://www.sauditour.info/ar/m/location.php?place_id=1075، وروابط أخرى متعددة، ولتأكيد ما ورد في هذه المصادر حول (محيط ومحرش) وسكنى أمير الرس للشنانة انظر المعروضات التاريخية الصادرة من بعض اللجان المعنية والمتعاونين معها بعنوان: (الشنانة حدث وتاريخ) بمناسبة اليوم الوطني بالرس، ومهرجان الجنادرية بالرياض عام 1439هـ، وغيرها من المناسبات [انظر في ملاحق الكتاب عن محيط ومحرش ملحق (الهامش) ص255].
([9]) في هذه الرواية دلالةٌ على أن شارخ بن فوزان ومن معه بقوا عند عبدالله بن سعود في الدرعية حوالي سنتين! فماذا يعني هذا؟ وماذا تعني العودة للشنانة بعد سقوط الدرعية؟
([10]) انظر: فيلكس مانجان، تاريخ الدولة السعودية الأولى وحملات محمد علي على الجزيرة العربية، ص140-141، وسيأتي في الموضوع التالي توضيح الهدف العسكري لعبدالله بن سعود فيما سماه مانجان تخريب الشنانة.
([11]) انظر: المرجع السابق، ص93.
([12]) يتناقل بعض الناس عن معاصري (قطعة الشنانة) يعني قطع نخيلها أن السبب قد يكون تخويف أهاليها، وقد يكون بغية إطعام جنده وخيله، وهو ما دعا ابن رشيد إلى ذلك، حيث جوع جنده وخيله وإبله لكي يأكل الجميع من سعف النخيل وجمارها وليس بهدف الظلم، ومع اعتبار الأخير فإن هذا التصرف يُعدُّ من الحماقة العسكرية والغباء السياسي، وفي مآلاته ظلم وجناية بحق الشنانة وأهلها، والظلم يُضعف الحكم ويُنهي عدالة الحاكم ولا يقويها، وقد كانت النتيجة على ابن رشيد زوال حكمه، والله يقول في محكم التنزيل: ﴿لَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِه ﴾ (فاطر:43).
([13]) انظر: عبدالرحمن الصويان, صفحات مطوية من تاريخنا الشعبي, ص14 .
([14]) انظر: شعبان خلف، الرس وسقوط الدرعية، ص9، ويُلحظ أن عملية الربط في عنوان الكتاب تأتي من خلال أهمية المواقع الجغرافية للخطط والحملات العسكرية بغض النظر عن قرب أو بعد الدرعية عن الرس.
([15]) يلحظ أن الجنود المصريين المعتدين قد عسكروا أكثر من مرة في الشنانة ولعدة أشهر، بل إنهم أطلقوا على مكان معسكرهم اسم (حزم النظام) وهو حزم مُطِلٍ على البلدة يقع غربها، واشتهر هذا الموقع بعد ما عسكر فيه طوسون باشا وجنده حوالي خمسين يوماً عام 1230هـ، وقَتَلَ من أهلها حوالي 200 رجل حسب رواية المؤرخ الفرنسي مانجان، وكذلك عسكر فيه خورشيد باشا حوالي أربعة أشهر عام 1255هـ، ولا زالت هذه التسمية معروفة حتى اليوم عند كبار السن وقد وقفتُ عليها بنفسي مراراً، وفي المكان مقبرةٌ كبيرة معروفة تعكس كثرة الموتى من هؤلاء المعتدين أو قتلاهم، وكذلك قتلى أو شهداء أهل الشنانة، وإلى عهد قريب يجد بعض الناس بقايا من العملات المعدنية للغزاة في هذا المكان، وقد آل بعض الموقع لآل غيلان، والموقع حالياً هو: شمال غرب مزرعة سليمان بن عبدالله العميري ويبعد عنها حوالي كيلاً واحداً، وقد أصبح الموقع غرب الخط الدائري الغربي للرس بعد تنفيذه.
([16]) انظر: عثمان بن بشر، عنوان المجد في تاريخ نجد، ج1/ص377-378.
([17]) انظر: فيلكس مانجان، تاريخ الدولة السعودية الأولى وحملات محمد علي على الجزيرة العربية، ص91-92.
([18]) انظر: المرجع السابق، ص96، وحول القتلى أو الشهداء فربما أن بعضهم كان من أهالي الرس، ولم يكن جميعهم من أهل الشنانة!
([19]) انظر: مدونة عبدالله العقيل وفيه نقل عن تاريخ ابن دعيج، بعنوان: (بلدة الشنانة بالرس في عيون المؤرخين)، الرابط التالي:
http://abdullah-alageel.blogspot.com/2018/09/blog-post_6.html?m=1.
([20]) انظر بتصرف: ريتشارد بايلي وايندر، المملكة العربية السعودية في القرن التاسع عشر الميلادي. راجع الترجمة وعلق عليها د فهد بن عبدالله السماري، ط1، الرياض: دارة الملك عبدالعزيز، 1434هـ، ص240.
([21]) انظر: إبراهيم بن محمد بن ضويان، تاريخ ابن ضويان، تحقيق ممدوح بن ناصر الضويان، ص263.
([22]) انظر: سليمان بن عبدالله الرشيد، مساجد الرس وأطرافه، ط1، الرياض: دار العقيدة للنشر والتوزيع، 1438هـ (2017م)، ج2/ص610.
([23]) انظر: المرجع السابق، ص610.
([24]) انظر: المرجع السابق، ص614.
([25]) ناوي هو والد مريم جدة الحسحوس من عائلة الخليفة، وهو مما يكشف كذلك عن تحديد بعض الأجيال العمرية واستقرارها في الشنانة.
([26]) يُلحظ أن هناك روايات تقول أن خليفة عند أول وصوله للرس عمل عند العواجي في مزرعته وتزوج من ابنته قبل وصوله للشنانة، ولا تعارض بين الروايات، بل تكامل في التواريخ.
([27]) تُعد مزرعة ظلما من الأراضي الملاصقة للشنانة السفلى التي بين الشِعيبين الشرقي والغربي، فظلما يَعدُّونها كبار السن خارج سور الشنانة، وإن كانت منها! ويذكر الشوارخ ومنهم صالح بن عبدالله الشارخ أن لجدهم عبدالله بن شارخ قليب (بير) بأرض ظلما، كما أن للظواهر قليب (بير) شمال ظلما مباشرةً، إضافة إلى ثلاث قلبان لخليفة وأبنائه.
([28]) هي مزارع جنوب الشنانة تبعد عنها حالياً حوالي 3 أكيال باختلافٍ في أبعادها.
([29]) من المتواتر في الروايات الشفهية وأوراق المبايعات أن أصل ملكية ظلما للشوارخ، وأن آل غيلان ليس لهم أي آبار أو مزارع شرق شعيب الشنانة الشرقي، والمعروف أن آبار آل غيلان بين الشِعيبين وغرب الشعيب الغربي كذلك، خلافاً لبعض الأوراق المتداولة عن ملكية آل غيلان لظلما، وهم الذين اشتهروا بحفر الآبار الكثيرة وتأسيس بعض المزارع بالشنانة وبيعها! وبيع ظلما من آل غيلان تحديداً يتعارض مع الروايات الشفهية المتواترة عن خلاف الخليفة مع الشوارخ، الذين أقطعوا بعض ملكهم في ظلما ثم باعوا بقيته على خليفة وأبنائه، ومن هؤلاء الرواة شارخ الخلف الشارخ، ومحمد بن عبدالله العضيب الشارخ، وسليمان بن عبدالله العميري، والشيخ خليفة بن بطاح الخزي، وعبدالله وصالح أبناء سليمان السلومي وغيرهم كثير، وهم بآبائهم ممن عاصر الأحداث، والخلاصة أن ملكية عائلة الخليفة في ظلما متداولةٌ بالرواية الشفهية ومعروفة بأن لهم فيها إقطاعاً وشراءً من الشوارخ، وأن خليفة أوصى بملكه في ظلما لأبنائه.
([30]) وردت تفاصيل مرعبة عن القتل والقتال والصراع والحروب في جزيرة العرب عامة، وفي الوشم وشقراء وأشيقر خاصة، مما يعكس أن الحروب القبلية لم تكن فقط في البادية فحسب، بل كانت في الحاضرة كذلك، وفي التاريخ ورد ذكر بعض أسر المشارفة الذين خرجوا من أشيقر للأسباب السابقة. انظر على سبيل المثال كتاب تاريخ ابن يوسف، محمد بن عبدالله بن يوسف، المبحث الثاني، ص23-34، وغير هذا من صفحات الكتاب، وهو ما ورد تفصيل بعضه في الفصل الأول من هذا الكتاب بعنوان: (أبرز عشائر الرس).
([31]) انظر عن هذا القدوم، وعن هويشان كتاب (سليمان بن ناصر السلومي- الشخصية والرسالة) للمؤلف، ص66-68، ص211.
([32]) العليا والسفلى ليست تسميات، ولكنها وصف للموقع بحكم الأمطار والسيول.
([33]) انظر معلومات أوفى عن نشأة القرية، سليمان الرشيد، مساجد الرس وأطرافه، ج2/ص624.
([34]) انظر: المرجع السابق، ص610.
([35]) وهي أحواض الماء المسماة مِشْرَعْ بغرض الصيد، ويوضع عليها شِبَاكَ صيد الطيور المهاجرة.
[37])) اعتاد الناس في مجتمعاتهم التعاونية قبل وجود الدولة ومؤسساتها الخدمية والرعوية وقبل الطفرات الاقتصادية والوفرة المالية العمل بقيم التعاون المجتمعي، ففي القرى الزراعية كانوا يفرضون على أنفسهم من مزارعهم حقوق المسجد وحقوق الإمام والمؤذن من التمور والحبوب، وهي أشبه ما تكون بالرواتب.
[38])) هو الشيخ عبدالله بن محمد بن صالح (الحسحوس) الخليفة، من مواليد عام 1352هـ، كان أستاذاً سابقاً في التربية والتعليم، ثم مديراً لثانوية الخرج، ثم رئيساً لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمحافظة الخرج، ورئيساً لجمعية تحفيظ القرآن بها، وله جهود خيرية مشهودة.
([39]) انظر عن: أنموذج من المرويات التاريخية عن دور المطوِّعين (المطاوعة) في الوحدة الفكرية، المؤلف كتاب (سليمان بن ناصر بن سليمان السلومي – الشخصية والرسالة) المبحث الأول، الطبعة الأولى 1434هـ، مركز القطاع الثالث (قطاع).
([40]) انظر: المؤلف، كتاب (الوحدة ودور المطوعين في المصادر الغربية – قراءة تاريخية).
([41]) هو أحد أساتذة التربية والتعليم القدامى في الرس، وهو مؤذن مسجد جامع العزيزية بالرس.
([42]) كان مشهوراً بخطبة الجمعة من المخضوبي, وكان من البكائين من خشية الله, وهو المتزوج من جَدَّة عائلة السلومي هيا الشايع بعد وفاة زوجها ناصر بن سليمان السلومي.
([43]) الشنانة الوسطى المسماة (العُلوَّة) والتي تُعد أعالي سيول الشنانة القديمة حسب تعبيرات القدامى، وهي: تقريباً ما أُحدث من مزارع جنوب الشنانة القديمة وملاصقة لها مثل مزارع العميري، ومزارع علي الحوثل الخليفة.
([44]) هو صالح بن سليمان بن ناصر السلومي المولود 1354هـ من سكان الشنانة القدامى، وعرف بذاكرته التاريخية عن كثيرٍ من الأحداث التاريخية. وانظر ترجمةٍ وافية عنه في الكتاب المعني بترجمة والده سليمان بن ناصر السلومي، ص72.
([45]) انظر عن ترجمة رميح في القسم الثاني من هذا الكتاب، وهو الأول من قائمة أبرز مطوعة الرس.
([46]) انظر له ترجمة في القسم الثاني من هذا الكتاب تحت عنوان: (أبرز مطوعة الرس).
([47]) انظر: سليمان الرشيد، مساجد الرس وأطرافه، ج2/ص624-625.
([48]) انظر عن تفاصيل أوفى في المرجع السابق، ص626-627.
([49]) تُعرَّف الهِجَر بالجمع بأنها الأماكن التي سكنها البدو في عملية التوطين المُنظم، والتسمية مأخوذةٌ ربما من انتقالهم وهَجْرهم لنمط حياتهم الأولى من الترحال إلى الاستقرار، ويُلحظ أن إنشاء القرى والهجر لم يكن هدف إقامتها تحقيق أغراض عسكرية جهادية كتخريج مجاهدين مثل بلدة (الأرطاوية) فحسب كما قال بعض المستشرقين، بل كان التوطين يهدف بكل معانيه المدنية إلى التعليم والإرشاد والتوجيه وتطويع الناس للخالق سبحانه وتعالى لتحقيق الأمن الاجتماعي والسياسي، وهذا هو الهدف الأساس من تأسيس الهجر، كما أن هذه الهجر خرَّجت كذلك من انضم للمجاهدين في جيش الملك عبدالعزيز، وقد كان للعلماء والمطوعين دور كبير في إنجاح هذا المشروع، وقد استطاع عبدالعزيز بن سعود أن يستثمر هذا المشروع التعليمي التربوي الدعوي إلى مشروعٍ سياسي، أو أن المشروع كان يهدف للأمرين معاً بين العلماء والملك عبدالعزيز.
([50]) انظر عن التوطين والهجر على سبيل المثال، رسالة دكتوراه موضي بنت منصور بن عبدالعزيز، الهجر ونتائجها في عهد الملك عبدالعزيز، ط2، مكة المكرمة: جامعة أم القرى، 1419هـ، وطبعت بمناسبة مرور مائة عام على التأسيس، جامعة أم القرى.
([51]) كان حصار بلدة الشنانة قبل الرس بحكم الموقع الجغرافي للقادم من الحجاز، وقد تكون الأكثرية السكانية –آنذاك- بالشنانة، فبعض عشائر الرس وقبائله كانوا من بلدة الشنانة حينما كانت هي الديرة، والرس قرية مجاورة حسب وصف المعاصر محمد بن صويان، وكان نزوح معظم قدامى أهالي الشنانة منها بعد قطع مزارعها ونخيلها عام 1322هـ .
([52]) انظر: عبدالرحمن الصويان, صفحات مطوية من تاريخنا الشعبي, ص16، ويتناقل بعض الناس أن المضروب هو ناصر البلاع والد الشاعر صالح بن ناصر البلاع الذي هجا ابن الرشيد، فانتقم الأخير من والده بعد اختفاء الولد، فكان الضَربُ من قبل رجال ابن الرشيد لناصر البلاع حتى مات.
([53]) فوزة: مزرعة مشهورة للصويان بالشنانة القديمة غرب المرقب وشمال شرق أملاك العميري.
([54]) يبدو أن هذه العبارة تعني: أصوات حوافر الخيل من غارة بدوية.
([55]) هذه العبارة بنصها من المصدر، ولا أعرف لها معنى واضح إلا إذا كانت (سابقة) صفة حركة الخيل، وربما تعبير عن إقدامها واندفاعها من منطقة عالية، وقد تكون قريبا من قول امرئ القيس: مِــكَــرٍّ مِــفَــرٍّ مُــقْــبِــلٍ مُــدْبِــرٍ مَــعــاً XXX كَــجُلْـمُوْدِ صَـخْرٍ حَطَّهُ السَّـيْلُ مِنْ عَلِ.
([56]) انظر: عبدالرحمن الصويان, صفحات مطوية من تاريخنا الشعبي، ص65-66.
([57]) وهي الديوانيات التي تُعدُّ فيها القهوة والضيافة للقريب والقادم من بعيد.
([58]) يقول الخليفة معلقاً على ما سبق: ومع بعد المسافة، وعدم استتباب الأمن في بداية تأسيس الدولة، وبُعد السفر، كان هناك بعض قُطَّاع الطرق في نجد والحجاز، فلا يسافر الناس إلا مجموعات، ولابد من حملهم للسلاح في أسفارهم، قارن بين ذلك وبين اليوم حيث نعمة الشريعة الإسلامية على الحاكم والمحكوم ، فاليوم يسافر المسافر من الخليج إلى مكة لا يجد من يتعرض له أو يستوقفه، ولهذا كانت تطول مدة غياب المجاهدين والدعاة ومن تُكلفهم الدولة بأعمال، حتى يتصور الناس أنهم أصبحوا في عداد المفقودين، وقد سافر والدي وكانت الوالدة حُبلى بأخي صالح –يرحمهم الله- ولم يعد من السفر إلا وأخي صالح يستقبله على أقدامه.
ومقارنة بما ذكر مع أحوال بعض الدعاة اليوم -زادهم الله رُشداً- يستصعبون الأسفار مع سرعتها وتوافر وسائل الراحة والاتصال.
([59]) من المعروف علمياً قدرة أصحاب الخبرة من المهندسين المعماريين بوسائلهم في القياس الهندسي العلمي على تحديد الأدوار الساقطة بدراسة هندسة البناء القائم، وكذلك معرفة مدى الرؤية المتحققة ومسافاتها من كل دور حتى أعلاه، وذلك متى ما وجدت الإرادة في ذلك من الجهات المعنية.
([60]) انظر: عثمان بن بشر، عنوان المجد في تاريخ نجد، ج1/ص377-378. ويمكن أن يكون التعبير بالقلعة للشنانة المرقب المشهور، وربما قصد سورها والله أعلم.
([61]) انظر عن أقوال عبدالرحمن الصويان حول المرقب ما ورد في كتابه: صفحات مطوية من تاريخنا الشعبي، ص15.
([62]) انظر: موسوعة الويكيبيديا (الحرة): الرابط التالي: http://bit.ly/2mhYMkX، وانظر: دليل السياحة السعودية، الرابط التالي: http://www.sauditour.info/ar/m/location.php?place_id=1075، وانظر: خليفة الخليفة، مقال بعنوان: (الشنانة بماضيها التاريخي وحاضرها المشرق تعانق السماء)، صحيفة الجزيرة، العدد 15377، بتاريخ 11 محرم 1436هـ، الرابط التالي: http://www.al-jazirah.com/2014/20141104/fe13.htm.
([63]) انظر: عبدالرحمن الصويان، صفحات مطوية من تاريخنا الشعبي، ص15.
([64]) يُعدُّ حمد بن منصور بن دخيل المالك (1312-1412هـ) من وجهاء الرس وأعيانها البارزين، اشتهر بالكرم والجود والسخاء بالديرة، كما عُرف بالمداينات التجارية مع المزارعين والمحتاجين وبعض التجار، انظر: سليمان الرشيد، مساجد الرس وأطرافه، ج1/ص172. وله ترجمة أوفى في كتاب بعنوان: (حمد منصور المالك 1312-1412هـ سجل حافل بالعطاء) تأليف خالد حمد المالك.
([65]) انظر: عبدالرحمن الصويان, صفحات مطوية من تاريخنا الشعبي، ص30.
([66]) انظر: المرجع السابق، ص30.
([67]) قول محمد الصويان لم يكن لها سور يحميها! ربما يقصد كل مبانيها ومزارعها المتفرقة، لأن البلدة المسماة (الشنانة الحدرية) لها سور كما هو معروف، وربما يتأكد قصده هذا أنه وصفها كذلك (قرية صغيرة) خلافاً لأقواله المتكررة عن بلدة الشنانة وأنها أوسع من (قرية الشنانة الحدرية) التي لها سور وفيها المرقب! بل إن الصويان أورد في نفس الصفحة ما يؤكد على وجود السور بقوله عن ابن رشيد: (ابقوا بالقصر) وربما يعني به داخل السور! وربما قصر الصويان!
([68]) كان أهالي الشنانة قد ظنوا أنهم بكرمهم هذا سيفوتون فرصة العدوان عليهم من ابن رشيد, والحقيقة كانت غير ذلك، حيث كان الغدر بهم من ابن رشيد، وتخريب بعض ممتلكاتهم ومصادرة بعضها الآخر.
([69]) انظر: عبدالرحمن الصويان، صفحات مطوية من تاريخنا الشعبي، ص31.
([70]) انظر: المرجع السابق، ص31.
([71]) انظر: المرجع السابق، ص31.
([72]) انظر: المرجع السابق، ص32.
([73]) انظر: المرجع السابق، ص32.
([74]) انظر: المرجع السابق، ص39.
([75]) انظر: المرجع السابق، ص45.
([76]) انظر: إبراهيم بن عبيد آل عبدالمحسن، تذكرة أولي النهي والعرفان، ط1، الرياض: مؤسسة النور للطباعة والتجليل، ج2/ص25،30.
([77]) انظر: أمين الريحاني، تاريخ نجد الحديث وملحقاته، ط1، بيروت: المطبعة العلمية ليوسف صادر، 1928م، ص125،131.
([78]) انظر: خير الدين الزركلي، الوجيز في سيرة الملك عبدالعزيز، ط3، بيروت: دار العلم للملايين، 1977م، ص41.
([79]) انظر: مديحة أحمد درويش، تاريخ الدولة السعودية حتى الربع الأول من القرن العشرين، ط1، جدة: دار الشروق للطباعة والنشر، 1400هـ (1940م)، ص75-76.
([80]) انظر: عبدالله الصالح العثيمين، معارك الملك عبدالعزيز المشهورة لتوحيد البلاد، الرياض: العبيكان، 1417هـ، ص95-96.
([81]) انظر: عبدالله الصالح العثيمين، تاريخ المملكة العربية السعودية، ط10، 1432هـ (2011م)، ج2/ص94.
([82]) انظر: عبدالرحمن الصويان، صفحات مطوية من تاريخنا الشعبي, ص29.
([83]) انظر: فؤاد حمزة، قلب جزيرة العرب، ط1، القاهرة: مكتبة القافة الدينية، 1423هـ (2002م)، ص367.
([84]) انظر: محمد كشك، السعوديون والحل الإسلامي، ص244.
([85]) انظر: جورج خير الله، نهضة الجزيرة العربية، ترجمة وديع فلسطين، الرياض: دارة الملك عبدالعزيز، 1430هـ، ص120،119.
([86]) يقصد الملك عبدالعزيز آل سعود.
([87]) ابن متعب هو عبدالعزيز بن متعب بن رشيد، والمقصود بالدار الشنانة، وكان مع ابن رشيد عدد كبير من العساكر، ولكن ابن بلاع قال: مية نفر احتقاراً لابن رشيد، وتقليلاً من شأن جنوده، انظر: عبدالرحمن الصويان، صفحات مطوية من تاريخنا الشعبي، ص34.
([88]) أهل الحزم هم أهل الرس، والحزم هو المرتفَع القوي من الأرض، وربما الحزم المعنوي كان نتيجة، انظر: المرجع السابق، ص34.
([89]) انظر: المرجع السابق، ص33-35.
([90]) الجمَّار: هي قلوب النخل بعد قطعها، وتدميرها وهي مما يأكله الناس بعد القطع.
([91]) انظر: المرجع السابق، ص36.
([92]) عبدالرحمن الكواكبي، طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، القاهرة: كلمات عربية للترجمة والنشر، 2011م، ص88.
([93]) انظر: أمين الريحاني، تاريخ نجد الحديث وملحقاته، ص131-132.
([94]) انظر: خليفة المسعود، الشنانة ودورها التاريخي عبر مراحل الحكم السعودي, ص61-62, نقلاً عن: (البريطاني فيلبي، Philpy: op.cit.p.247-248).
([95]) انظر: المرجع السابق، ص62، نقلاً عن: (حسن حسني ص193).
([96]) انظر: المرجع السابق, ص61, نقلاً عن: (عبدالعزيز عبدالغني إبراهيم: نجديون وراء الحدود ص225).
([97]) انظر المراجع حسب الترتيب: جورج خير الله، نهضة الجزيرة العربية، ص120. مديحة أحمد درويش، تاريخ الدولة السعودية حتى الربع الأول من القرن العشرين، ص75-76. خير الدين الزركلي، الوجيز في سيرة الملك عبدالعزيز، ص41
([98]) انظر: محمد كشك، السعوديون والحل الإسلامي، ص244.
([99]) هم الذين يجمعون حشائش وأعشاب الربيع لأغنامهم ومواشيهم.
([100]) انظر: منصور العساف، مقال بعنون: (عبدالله عقيّل.. “أمير البيارق”)، صحيفة الرياض، العدد 16944، بتاريخ 21 محرم 1436هـ، الرابط التالي:
http://www.alriyadh.com/994039
([101]) انظر: إبراهيم بن عبيد، تذكرة أولي النهي والعرفان، ج2/ص29.
([102]) انظر: المرجع السابق، ص30.
([103]) انظر: عبدالله الرشيد، هذه بلادنا الرس، ص123.
([104]) انظر: إبراهيم بن عبيد، تذكرة أولى النهى والعرفان، ج2/ص27-28.
([105]) انظر: المرجع السابق، ص30.
([106]) انظر: المرجع السابق، ص30.
([107]) انظر: المرجع السابق، ص30.
([108]) الإخوان: هم أفراد ومجموعات من القبائل البدوية في شبه الجزيرة العربية تركوا حياة البداوة متأثرين بالتعاليم الإسلامية، وأصبحت العقيدة الإسلامية رابطاً أخوياً فيما بينهم فوق رابطة القبيلة، وتأسس بهم جيش المجاهدين زمن تأسيس عبدالعزيز للدولة السعودية الثالثة، وحسب جون س حبيب فإن حركة الإخوان هذه رغم عمرها القصير الذي لا يتجاوز عقدين من الزمن (1328-1349هـ) استطاعت أن تحقق من الانجازات الكبيرة ذات التكاليف الأقل والعائدات الأجل ما عجزت وتعجز عن تحقيقه كثير من الأمم في فترات طويلة أو قصيرة من الزمان، وعمر حركة الإخوان رغم أنه لم يبلغ العشرين عاماً فإنه يُذكِّر في المقارنة مع انجازات القرن الإسلامي الأول من حيث الأهداف والغايات، بتصرف من: جون س حبيب، (قراءات في التاريخ المعاصر إسهام الإخوان في توحيد المملكة العربية السعودية – رؤية غربية) ص7، ومصطلح الإخوان في البادية –لدى بعض الكتابات التاريخية- ليسوا جيش المجاهدين فحسب، بل هم كل من تأثر بالدين واستفاد من العلماء والمطوعين آنذاك، وحسب بعض روايات المؤرخين أن تسمية الإخوان جاءت من قِبَلهم أخذاً بالآية الكريمة ﴿إنما المؤمنون إخوة﴾، وهذا التعريف والمفهوم لا يلتقي ولا يجتمع تاريخياً مع ما عُرف متأخراً بتنظيم الإخوان المسلمين الدولي المنتشر في كثيرٍ من دول العالم.
([109]) انظر عن ردود الأفعال لدى بعض دول الاحتلال آنذاك على سبيل المثال: موضي بنت منصور بن عبدالعزيز، كتاب: (الهجر ونتائجها في عهد الملك عبدالعزيز، وانظر: محمد كشك، في كتابه: (السعوديون والحل الاسلامي)، وانظر الفصل الرابع من هذا الكتاب بعنوان: (الوحدة السياسية وردود الفعل الأجنبية).
([110]) انظر: محمد كشك، السعوديون والحل الإسلامي، ص578.
([111]) انظر عن التردد والحسم: محمد كشك، السعوديون والحل الإسلامي، ص463، وقد نقل هذا عن الزركلي، وانظر كذلك: محمد الصويان المعاصر للأحداث، وفيه ورد قصة إرادة قتال أهل القصيم لابن رشيد ومبادرتهم بذلك حتى قال الملك عبدالعزيز عنهم :(والله شبوها أهل القصيم!….)، في كتابه: صفحات مطوية من تاريخنا الشعبي، ص37-38.
([112]) انظر: إبراهيم بن عبيد، تذكرة أولى النهى والعرفان، ج2/ص25.
([113]) انظر: المرجع السابق، ص27، وانظر للمزيد عن أثر غياب العقيدة: الفصل الخامس من هذا الكتاب تحت عنوان: (غياب الوحدة الفكرية!).
([114]) انظر: عبدالرحمن بن حسن الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، القاهرة: دار الكتب المصرية، 1998م، ج4/ص226.
([115]) عَرَّف بعض الباحثين هذا المصطلح بقوله: «مصطلح سياسي وإعلامي وأكاديمي استخدم لتوصيف حركات تغيير سياسية تؤمن بالإسلام باعتباره نظاما سياسيا للحكم». ويمكن تعريف الإسلام السياسي: «بأنه مجموعة من الأفكار والأهداف السياسية النابعة من الشريعة الإسلامية والتي يستخدمها مجموعة المسلمين الأصوليين الذين يؤمنون بأن الإسلام “ليس عبارة عن ديانة فقط، وإنما عبارة عن نظام سياسي واجتماعي وقانوني واقتصادي يصلح لبناء مؤسسات دولة”» موسوعة ويكيبيديا الحرة، الرابط التالي: http://bit.ly/2o08qJA.
ويقصد بـالإسلام السياسي في لغة الغرب: الإسلام الذي يعتقد معتنقوه أنه يحكم الشئون السياسية من الحياة، أو أن الإسلام دين ودولة، (الحصين)، وانظر مزيداً من بعض المفاهيم عن هذا المصطلح في المبحث الثامن من كتاب للمؤلف (الإسلام والغرب بين المنافسة والصراع)، تحت عنوان: (نتائج القراءة التاريخية ومعطياتها).
والإسلام السياسي من المصطلحات الحديثة الوافدة من الغرب المتعصب، وتحديداً من خصوم شمولية الإسلام، والمقصود به أن يكون الدين الإسلامي بعقيدته وشريعته هو المحرك الرئيس والضابط للحاكم والمحكوم، وأن تكون الشريعة الإسلامية لها الحاكمية المطلقة على الجميع في جميع شؤون الحياة، وهذا المصطلح صفة مدح وثناء للمؤمنين بتطبيق الشريعة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، حيث عمل الملك عبد العزيز بمفاهيم الجهاد والبيعة والسمع والطاعة ونحو ذلك، وقد استخدمته بعض الحركات العلمانية والليبرالية المعادية للمؤمنين بتطبيق الشريعة صفة ذم وانتقاص واستعداء، وربط بعض هؤلاء ذلك بما يسمى (ولاية الفقيه) عند الشيعة للتنفير من الحاكمية السياسية الشرعية للشريعة الإسلامية .
([116]) من مقدمة بحث بعنوان : المملكة العربية السعودية والدعوة الإسلامية – رؤية مستقبلية -، من بحوث مؤتمر المملكة العربية السعودية في مائة عام، الرياض، بتاريخ 7-11 شوال 1419هـ، بحث منشور في كتاب من مطبوعات المكتب التعاوني بالمدينة المنورة بعنوان: (مقالات وأبحاث) للشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصين، ص553-582.
([117]) انظر: عبدالرحمن الصويان، صفحات مطوية من تاريخنا الشعبي, ص23.
([118]) انظر: المرجع السابق, ص24-25.
([119]) هو الأمير المؤلف لكتاب (السعودية الموروث.. والمستقبل – التغيير الذي يُعزّزُ البقاء) وهو كتابٌ تتأكد الحاجة إليه في ظل التحديات العالمية الخطيرة على الوطن، وأهمية التجديد والتحديث المرتبط بما سماه المؤلف الموروث، وعن هذا الكتاب والمؤلف كتب أحد كُتَّاب صحيفة الرياض فقال: «إن الكتاب في مجمله مادة ومعالجة وتحليلاً، صرخة ونداء من أجل استعادة قوة الدولة والمجتمع والكيان من خلال مشروع يقوم على عدة ركائز، من أبرزها: العناية والالتزام بالموروث، باعتباره العنصر الكامن والمحرك لعوامل القوة والوحدة». انظر عن تعريفٍ أكثر للكاتب والكتاب صحيفة الرياض بعنوان: (الموروث.. والمستقبل.. والتغيير)! عبدالله القفاري، بتاريخ 23 شعبان 1437هـ، الرابط التالي: http://www.alriyadh.com/1507262
([120]) انظر: تركي بن عبدالله، السعودية الموروث.. والمستقبل، ص139،140.
([121]) مبايعة آل غيلان للبلاعية بالشنانة لعائلة خليفة مشهورة حسب وثيقة متداولة عن المبايعة، وهي حسب التواريخ المتوفرة للباحث أول مبايعة من آل غيلان.
([122]) يُذكر أن هذا اللقب لعائلة موجودة بالرياض، وقد يكون المقصود هم أو غيرهم مما يقال عنه اسم على اسم.
([123]) تقع على طريق الرس – الشنانة العام في مفترق طريق مرقب الشنانة.
([124]) كون المرقب بُنى في أملاك البواهل قد يساعد في البحث التاريخي عن الباني الحقيقي للمرقب زمن تشييده، وعن ترجيح تاريخ بنائه المختلف عليه وكذلك عن العشائر والأسر آنذاك.
([125]) سليمان بن عبدالله العميري من مواليد عام 1340هـ، وهو مزارع قديم مع والده في الشنانة السفلى، ولديه معلومات دقيقة عن أسر الشنانة القديمة، وتوفي – رحمه الله- في عام 1433هـ .
([126]) انظر عن هذه التسمية وسببها التعليق السابق في هذا الكتاب من هوامش عنوان: (الشنانة: الموقع والأهمية).
([127]) تم السماع والاستقصاء عن هذه المعلومات السابقة من المذكور عدة مرات مشافهةً منه في شهر رجب 1430هـ، وفي أعياد رمضان عامي 1431هـ 1432هــ بحضور ابنه عبدالله العميري، وعبدالرحمن بن سليمان السلومي وغيرهما.
لا توجد تعليقات