بسم الله الرحمن الرحيم
# الليبرو صفوية و# الوطنية_السعودية
[مفاهيم حول الأقليات تستوجب النظر!! (7/7)]
إضافة لما ورد في المقالين السابقين عن موضوع حقوق الأقليات الإنسانية دون السيادية، وما يرتبط بذلك من بعض المفاهيم الخاطئة، حيث كثيراً ما يكون سوء الفَهم لدى الأقلية أو الأكثرية أو كليهما –على حدٍّ سواء- مُسيْطراً عن حقوق الأقليات وسط الأكثرية، فمما لا شك فيه أن للأقليات جميع حقوق الأكثرية في الحقوق المدنية والإنسانية وهي أبرز حقوق المواطنة، لكن وحسب معظم النُظُم العالمية والممارسات الدولية –الواردة في المقالات السابقة- فليس للأقليات حقوقٌ سيادية([1]) تتعارض مع دستور الدولة، أو تتصادم بالهوية الوطنية وثقافة الأغلبية، وتتعارض في جوانب رئيسة مع الحقوق الفكرية والعقدية الموحِّدة للأوطان، وبالتالي لا تتماهى مع الحقوق السياسية والأمنية السيادية للدولة ومجتمع الأكثرية، مما يستوجب التفريق بين الحقوق الإنسانية المدنية للأقليات والحقوق السيادية للأكثرية من خلال الدولة، فلا يمكن بالمنطق العقلاني أن تحكم الأقليةُ الأكثرية بأي نوع من أنواع التحكم أو الاستبداد، ولذلك تكاد تشريعات الإدارة السياسية للدول الحديثة تتوافق مع عموميات التشريع الإسلامي، أو تتقاطع فيهما التطبيقات في عدم منح الأقليات حقوقاً سيادية، والممارسات الغربية كافية في الحكم على أن الأقليات في الغرب ليس لها حقوق سيادية -كما سبق-، بل إن الأنموذج الإيراني الشيعي -هو الآخر- يُجسِّد عدم منح الحق السيادي تجاه حقوق أهل السنَّة -بالرغم من أنهم ليسوا أقلية!!- مما يكشف الفارق العملي بين الحقوق الإنسانية وبين الحقوق السيادية!! علماً أن من الحقائق التاريخية البدهية أن الأقليات في -غالب أحوالها- لم تبذل جهداً عسكرياً أو سياسياً في وحدة الوطن، أو ملاحم وجهود توحيده، بل إنها نَعُمَت بِغُنم الوحدة دون غُرْمِها، وتمتعت بحماية الدولة والوطن لها.
كما أن مفهوم الطائفة([2]) هو الآخر يتعرض لسوء فهم بقصد أو بغيره، فالأقلية هم الطائفة أياً كانت هذه الطائفة، فلا تُعدُّ الأكثرية طائفة، حيث لا يصح أن يُقال عن أهل السُنَّة حينما يكونوا الأكثرية بأنهم طائفة!! ولا يُجمعون مع الأقلية فيُقال طوائف!! فالطائفة تتلازم مع الشيعة أو الليبرالية أو العلمانية أو غيرهم من الأقليات حيثما تكون هي أقلية.
ومصطلح (التعددية الفكرية) لم يكن بمعزل عن سوء الفهم كذلك، فهناك دول قامت على أساس التعددية الفكرية مما يتطلب حماية هذه التعددية التي قد تكون -في غالب أحوالها- مرتبطة بدستور الدولة، كما هو حال الولايات المتحدة الأمريكية بالرغم من التزامها بمصطلح الواسب (wasp) الذي يكرِّس الحقوق السيادية للأكثرية أو للمؤسسين، بالرغم من وجود التعددية الفكرية، لكن دولاً أخرى توحَّدت وقامت على أساس الوحدة الفكرية (العقيدة)، الأمر الذي يتطلب حماية هذه الوحدة التي قد تكون -في معظم الأحوال- مرتبطة بدستور الدولة والوطن، كما هو واقع الوطن السعودي، بل إن التسامح في مزاحمة فكر الأقليات –أياً كانت هذه الأقليات شيعيةً أو ليبرالية أو علمانية- لفكر وثقافة الأكثرية يُعدُّ انتهاكاً لدستور الدولة المُعلن والمتفق عليه، كما أن تعريض فكر الأكثرية المرتبط بدستور الدولة للانتقاص أو الذوبان يعدُّ هو الآخر انتهاكاً للدستور في الدولة -أية دولة- من أي طرف كان، ومهما كانت المزاعم إصلاحية!!
التسييس القذر!!:
وأخيراً .. فإن من التسطيح والسذاجة في مسألة (حقوق الأقليات) استبعاد العامل السياسي المحرِّك للساكن في صناعة الأزمات الداخلية للدول، فمعظم التحالفات والحروب العالمية القائمة والقادمة خاصة في الوطن الإسلامي ترتكز على (فزَّاعة حقوق الأقليات) كما هي حقوق المرأة، وهذه الحقوق المزعومة بوابة التدخل الأجنبي في شؤون الأمم والمجتمعات والدول وخصوصياتها الثقافية، لانتهاك السيادة الفكرية لدول العالم الإسلامي، بل هي اللغة الاستعمارية الحديثة، واللعبة السياسية ومناوراتها في هذه الفزاعات من خارج الأوطان أو داخلها هي السمة المستقبلية الملازمة لحقوق الأقليات لتحقيق انتهاك السيادة السياسية وتفتيت الوحدة الوطنية لكثير من المجتمعات والدول الإسلامية.
كتب هشام ناظر عن الاستخدام الاستعماري للأقليات فقال: «وفي مناخ من الاضطرابات المتزايدة الناتجة عن عدم الرضا السياسي والاقتصادي فإن وجود أكثر من ثلاثة آلاف (مجموعة أثنية) حول العالم سوف يمهد بشكل انتقائي لمبررات دائمة للتدخل بحجة حماية حقوق الفرد»… «فهناك حَمْلَة حقوق الإنسان التي تستهدف تجاوز السيادة لحماية الحرية الفردية, وتوفير الاحترام لحقوق الفرد, وتحقيق الذات. والأكثر غرابة هي أن أكثر حَمَلَة راية حقوق الإنسان والفرد يعملون على سياسة تستهدف جعل السيادة سهلة الاختراق, بحجة أن العالم يحتاج إلى الغرب للقيام بدور (سلطات القيم الكونية)»([3])!!
د. محمد بن عبدالله السلومي
1436/7/17هـ
([1]) المقصود بالحقوق السيادية: هي كل ما يرتبط بالمصلحة العليا للدولة وحماية الدستور أو الفكرة الأم الموحِّدة لها، والحفاظ على ثقافتها الرئيسية، وتختلف الدول فيما بينها في تحديد الحقوق السيادية للوطن ونوعها، والتي غالباً ما تنحصر في جانب الدستور، أو الجانب الفكري والثقافي أو العقدي، والجانب التعليمي، والجوانب السياسية والأمنية.
([2]) الطائفة من الشيء جزء منه، وفي التنزيل العزيز: “وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين”، قال مجاهد: الطائفة: الرجل الواحد إلى الألف، والطائفة: الجماعة من الناس، وتقع على الواحد، (وهي تعبير عن الأقلية). انظر: ابن منظور، (لسان العرب)، الجزء الخامس، ص2327.
([3]) انظر: د/ هشام ناظر، (القوة من النوع الثالث)، ص 120، ص144.
لا توجد تعليقات