عقد مركز رؤيا للبحوث والدراسات ندوة فكرية استضاف فيها الباحث في التاريخ الدكتور محمد بن عبدالله السلومي مؤلف كتاب: (الإسلام والغرب بين المنافسة والصراع)، وبحضور عدد من المفكرين والباحثين والعاملين في الحقل الإسلامي فكراً وعملاً.
والموضوع له امتداداته في الساحة الفكرية بل والحركية كذلك، وقد ألفت حوله العديد من المؤلفات وبلغات عدة ومن زوايا نظر مختلفة، ومنها مثالاً بمنظور إسلامي: الغرب والإسلام أين الخطأ؟ وأين الصواب؟ للدكتور محمد عمارة، والإسلام والغرب للدكتور محمد سعيد البوطي، والإسلام بين الشرق والغرب لعلي عزت بيجوفيتش، والعولمة والإسلام رؤيتان للعالم للدكتور سيف الدين عبدالفتاح.
وبمنظور غربي: الإسلام والغرب خرافة المواجهة لفريد هاليداي، والغرب والإسلام الدين والفكر السياسي في التاريخ العالمي لأنتوني بلاك، وصدام الحضارات إعادة صنع النظام العالمي لصامويل هنتجتون، الإسلام والغرب لبرنارد لويس.
وقد تضمن برنامج الندوة في قسمه الأول عرضاً موجزاً للكتاب، وفي قسمه الثاني نقاشات ومداخلات أثارها عرض الكتاب، وفيما يأتي أهم مفاصل الندوة ومضامينها.
القسم الأول: عرض الكتاب:
أولاً: بواعث صدور الكتاب:
يرى مؤلف الكتاب أن كتابه يمثل رؤية مستقبلية للعالم العربي والإسلامي، وقد يكون السؤال الأساس الذي يُطرح عن الكتاب هو: ما بواعث صدور هذا الكتاب؟
بواعث صدوره كتاب صدر للمؤلف ذاته اسمه “ضحايا بريئة للحرب العالمية على الإرهاب” قبل ثلاثة عشر عاماً بعدة لغات، وقد تأكد له بالحقائق العلمية أن الإرهاب صناعة غربية متقنة يقوم وينجح على أساس صناعة الصراع بالفعل وردود الفعل، وبالتالي يولد ما يسمى بالتطرف والإرهاب وغيرهما، فحين الانتهاء من هذا الكتاب أثار جملة كبيرة من التساؤلات، من أهمها: لماذا يقوم الغرب بصناعة الإرهاب؟ هل لأن الإسلام منافس وهل المسلمون منافسون؟ هل لأن الغرب مصارع؟ هل لأن المسلمين مصارعون؟
ثانياً: معمار الكتاب وهدفه ومنهجه:
إثارات كتاب (ضحايا بريئة) دفعت وحفزت على إصدار دراسة مستقلة حول مفهوم المنافسة والصراع بين الغرب والإسلام؛ مقصود بها الوقوف على حقيقة المسار والهدف الذي يستهدفه الإسلام والغرب، ولذلك قسن الكتاب من حيث بناؤه على قسمين: القسم الأول مثل رؤية تاريخية، والمرحلة الزمنية التي ركزت فيها هذه الرؤية هي الثلاثمائة سنة الأخيرة من عمر هذه الأمة، علماً أن الدراسة لم تكن ذات طابع شرعي، بل هي دراسة تاريخية سياسية، وهذا الجزء أخذ ثلثي الكتاب من حيث حجمه.
وقد اختيرت في هذه المرحلة الزمنية أبرز الأحداث التاريخية التي تكشف وتجلي طبيعة العلاقة بين الإسلام والغرب، ولا ينبغي التغافل عن كون الغرب جهة، والإسلام فكرة وعقيدة، ولكن ذُكْر الغرب بحسب المؤلف ليس في سياق الجهة وإنما في سياق الفكرة، ولهذا تدخل فيه أستراليا وأمريكا والكيان الصهيوني .. إلخ؛ لأن الأيديولجيات الحاكمة في الغرب كلها متفقة على عداوة الإسلام وعقيدته، ومن المهم أيضاً بيان أن الغرب هنا مقصود به الغرب المتعصب، ففي أثناء الكتاب يجد القارئ ذكر الغرب مقترناً بهذا الوصف وهو التعصب، ولكن من هو الغرب المتعصب؟ هو صاحب القرار السياسي وروافده من المفكرين ورجال الدين والساسة والمؤسسات والمراكز البحثية وغيرها، وهؤلاء في الغالب لا يشكلون أكثر من 5% أو 10%، والبقية أمم وشعوب مضللة عن فهم حقيقة الإسلام، وقد أشار شارل سان برو -وهو مفكر فرنسي ليس بمسلم- إلى ذلك.
ثالثاً: عناصر المنافسة عند الغرب:
يرى المؤلف أن الغرب كامن على عناصر منافسة قوية جداً، وهي: نظامه السياسي بعد الحربين العالميتين، وهما في حقيقتهما حربان أوربيتان من الصراع الأوربي المحض على المصالح والنفوذ والهمجية التي ولدت بعدها الهيئات الدولية ممثلة في عصبة الأمم وهيئة الأمم، ونضجت بعدهما ما يسمى حقوق الإنسان، وكلها لا تخرج عن كونها ردود أفعال قصد بها كيفية تلافي الحروب والصراعات المدمرة، ومن عناصر المنافسة كذلك حقوق الإنسان داخل عالمه الخاص به، وتقنيته وصناعاته، وأسلحته العسكرية، وإيجاد المنظمات التي هيمنت على العالم.
رابعاً: عناصر المنافسة في الغرب أفسدها أمران:
-فشل العلاقات الدولية، وعنصر فشلها داخل في تنظيمها، فحين يتم وضع حق الفيتو للأقوياء على حساب غيرهم من الدول، فإن هذا يتنافى مع العدالة الدولية، وأكبر مثال على الفشل الذريع للغرب في علاقاته الدولية أحداث العراق وسوريا، وهي أحداث كانت فاضحة للنظام العالمي، والمؤلف يسميها الفاضحتين؛ لعظم ما آلت إليه، من تشريد للملايين وقتلهم وإبادتهم، وتدمير الدول وبنيتها الأساسية، وكل ذلك وغيره يعد أمراً فاضحاً، هذا فضلاً عن دور الغرب في تثبيت الأنظمة الاستبدادية والوظيفية في العالم العربي والإسلامي وتقويتها وحمايتها ودعمها.
-فشله في الحفاظ على البنية الأساسية لتكوين الأسرة، فالغرب استحدث معبوداً جديداً اسمه (الحرية)، هذه الحرية لو اقتصرت على الجانب السياسي والاقتصادي، لكان نجاحاً باهراً للغرب، لكن هذه الحرية أضحت سمة للحياة الفردية الليبرالية الشخصية، أسهمت بشكل فاعل في تدمير الحياة الأسرية، وبالتالي لا غرابة أن تصدر كتب كثيرة ومقالات عن سقوط الغرب وبعناوين مختلفة: سقوط الغرب، احتضار الغرب، موت الغرب، انتحار الغرب .. إلخ، وبحسب لغة الإحصائيات فإن الغرب يعاني من الاحتضار من نسله السكاني الأنجلوسكسوني سواء في أوربا أو أمريكا، والهجرات الآن تحل محله مع الزمن، حتى أن بوكانن المفكر الأمريكي في كتابه (موت الغرب) ذكر بالإحصائيات كيف ستنتهي الدول الأوربية واحداً بعد الآخر.
خامساً: عناصر المنافسة لدى المسلمين:
أشار المؤلف في عرضه إلى أنها متعددة الجوانب، وذكر منها: عقيدة وتوحيد، وقيم وتشريعات صالحة لكل زمان ومكان، ومنافسة تاريخية حضارية، وعناصر استيعاب جذبت إليها عشائر وقبائل ولغات والعناصر البشرية كلها، وهذه الحقيقة يعترف بها الغربيون أنفسهم، ولذلك في أثناء الكتاب كان الاستدلال في الغالب في هذا الإطار بأقوال الغربيين واعترافاتهم، ومن عناصر المنافسة كذلك ثقافة الإسلام العلمية، فتجد الغربي أو المستشرق يدخل المكتبة الإسلامية فيجد أن عشرات الآلاف من المجلدات حول علوم مختلفة، التفسير، والحديث، والفقه، والأصول … إلخ.
ولكن يخل بهذا مواقف بعض الحركات والجماعات التي يظهر فيها التطرف والإرهاب، ولا تخفى حقيقتها في الأصل، إذ هي ردود أفعال بواعثها المظالم التي تواجهها نتيجة الاستبداد السياسي في العالم العربي والإسلامي، أو بسبب السياسات الغربية، وهذا استثناء لا يؤثر على الأصل، فالاستثناء لا ينفي القاعدة بل يؤكدها، فضلاً عن كون الغرب متلبساً بمثلها، فإذا كان الغرب بمؤسساته ودوله وحكوماته وتسلحه الرسمي يمارس الإرهاب بكل صوره، فوجود أمثال هذه الظواهر في عالم المسلمين لا ينفي القاعدة العامة بأن الإسلام منافس بعناصره.
سادساً: المعطيات التاريخية وأنماط العلاقة:
الرؤية التاريخية أثبتت أن الإسلام من خلال المعطيات العلمية كان منافساً، بخلاف الغرب الذي أثبتت معطياته وتعاطيه في علاقاته بالعالم الإسلامي أنه مصارع لا يريد المنافسة وميادينها، ولكن السؤال الذي يُطرح في هذا المجال: ما هو مستقبل العالم العربي والإسلامي في ظل فرضية المنافسة والصراع؟
وهذا التساؤل كان المحور الرئيس الذي شغل القسم الثاني من الكتاب وقد شكل ثلثه من حيث الحجم، والرؤية المستقبلية لم تكن بمعزل عن الرؤية التاريخية، بل هي ممهدة لها مع أختها في الواقع المعاصر المعيش الذي جمع بين طياته المؤشرات السياسية، وقد حُصرت في ستة عشر مؤشراً:
*دعم الاستبداد السياسي.
*دعم الكيان الصهيوني.
*دور الأساطير والعنصرية النصرانية واليهودية.
*مخاطر الخطط الاستراتيجية الإيرانية.
*السعودية ومقدسات الحرمين.
*التدخل الروسي في سوريا.
*التدخل الروسي في اليمن.
*التقارب الإيراني الروسي.
*الدعم الصيني للصراع.
*تركيا والاستهداف.
*الصراع العالمي الخفي والمعلن.
*المنافسة الصينية الغربية.
*غياب العدالة.
*أزمة الإصلاح السياسي.
*دعم الانشقاق الفكري.
*مشروع التفتيت والتقسيم.
سابعاً: مستقبل العلاقة:
حسب المعطيات في الرؤية التاريخية والمؤشرات السياسية في الرؤية المستقبلية أن المستقبل للصراع والحروب، وهذا وفقاً للمنهج الذي اتبعه المؤلف في تناول المؤشرات السياسية، ذلك أن تناول المؤشر يعقبه ما أسماه (وفي المقابل)، فمثلاً إيران ذكر في مؤشراتها الأخطار والتهديدات التي تحدثها إيران من خلال مشروعها في المنطقة، وفي المقابل يمكن أن يكون الغرب قد اتخذ من سياسته عدم انتصار العالم السني ولا إيران، وهذا ما تحقق بالفعل، فقد أدخلوا إيران في العراق وسوريا فأحرقتهما، ولكن لم يمكنوها التمكين الكامل، وعلى هذا فقس بقية المؤشرات.
وبجمع الرؤية التاريخية من خلال معطياتها مع الرؤية المستقبلية من خلال مؤشراتها ظهر أن الإسلام منافس والغرب مصارع، والذي دفع الغرب إلى جعله مصارعاً خوفه وقلقه ورعبه من ظاهرة الإسلاموفوبيا، وهي ظاهرة وإن كانت مصطنعة، فإنها تعد دليلاً على انتصار الإسلام، وهي إحدى النتائج التي توصل إليها الكتاب، فيرى المؤل أن المسلمين اليوم يعيشون مرحلة انتصار الإسلام كعقيدة وفكرة ودين وآيديولوجيا وغير ذلك، الأمة المسلمة اليوم تعيش -وهذه قناعة المؤلف- أزهى عصور التاريخ في انتصار فكرتها ودينها، وهذا دلالة على صدق حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا دخله الإسلام”.
وينقل السلومي قول مراد هوفمان له شخصياً وقد زاره قبل أربع سنوات لما قدم كتابه “ضحايا بريئة للحرب على الإرهاب” شاكراً صنيعه، قال له: “كنا في ألمانيا قبل أربعين سنة لا يوجد مركز أو مسجد أو جامع أو شيء من هذا القبيل سوى مركز آخن، واليوم في كل مكان من ألمانيا يوجد مسجد أو مصلى أو مركز …إلخ”، فالإسلام أصبح رقماً صعباً في المعادلات الدولية، هذه الحرب ليست نتاج هزيمة الإسلام، بل هي نتيجة انتصار الإسلام، ولكن يلزم التفريق بحسبه بين انتصار الفكرة وانتصار الأتباع، فالأتباع مهزومون متفرقون مشتتون، والغرب عمله دائر في الحيلولة دون انتصار أتباع الفكرة، والغرب المتعصب يفهم بشكل واضح تماماً أن الفكرة إذا انتصرت سوف ينتصر الأتباع.
ثامناً: ما هو الحل؟
الغرب يطرح الحوار مع المسلمين وبكل الصور والأشكال، وهو في نفس الوقت يمارس إرهابه في بلاد المسلمين في أفغانستان والعراق وسوريا وغيرها، ولهذا تحدث المؤلف في الكتاب في سياق الحل عن الحوار الذي يُقصد، وعن كيفيته، وأصوله، ومنطلقاته، ومنطلقات التسامح، وبيَّن أن الحوار أصلاً يجب أن يكون بين الشعوب وليس بين الحكومات، هذه قضية مفصلية إذا أردنا النجاح، دورهم فصل الشعوب عن الحوار، والتركيز على الحوار بين الحكومات، وهو حوار معلوم النتائج، الحروب تزداد، ومساحة الصراع تتسع، بينما مساحة السلام والتسامح تتقلص، وهذا مرجعه انعدام الحوار بين الشعوب.
لقد توصل المؤلف في الكتاب بحسب عرضه إلى نتائج ومعطيات واضحة من خلال الرؤيتين، هذه النتائج تكاد تكون خارطة طريق لنهوض الأمة، كيف ننهض من هذا الواقع؟ كيف نتلافى الصراعات والحروب؟ كيف تتلافى الشعوب الصراعات والحروب التي تصنعها الحكومات والأنظمة السياسية على شعوبها، ومن أبرز النتائج التي توصل إليها: ما هو المسلك الذي يلزم سلوكه مع هذا الغرب وهو في تاريخه يجنح إلى الصراع ويرفض التسامح ولا يريد المنافسة مع الإسلام ومنظومته التاريخية الحضارية؟ ما هو المسلك الذي يجعل الغرب يقف عند حده ويحترم الأمم الأخرى وحقوق الإنسان المسلم.
وتحدث المؤلف في كتابه عن التفاؤل عند المسلم، فبحكم كون المؤشرات دالة على الصراع وأنه قادم، كان لا بد من بيان جوانب في التفاؤل كثيرة وكبيرة لا ينبغي إغفالها في ضوء هذه الرؤية الصراعية.
القسم الثاني: السؤالات والمداخلات:
د.وصفي أبو زيد: في القسم الأول اعتمد المؤلف على اختيار أحداث خلال 300 سنة، ما المعيار الذي على أساسه اختار هذه الأحداث ومرحلتها الزمنية؟
د.السلومي: النطاق الزمني للبحث مرجعه تشكل الدولة القومية الحديثة في أوربا من جانب، وعنصر الصناعة والتفوق الغربي من جانب آخر.
د.وصفي أبو زيد: تحدث المؤلف عن انهيار الغرب ومقومات تنافس عند المسلمين، ربما يقول قائل: أين الانتصار الذي يعيشه المسلمون اليوم؟ وإذا قلنا انتصار الفكرة، فالفكرة منتصرة على مدى الزمان، منذ أن نزل الوحي والفكرة فيها استعلاء وانتصار وظهور، لكن هذا الدين نزل للبشر، وكما قال سيد قطب هذا الدين منهج للبشر وينتصر وتعلو فكرته وتسمو بالأخذ بالأسباب، ولا تسمو الفكرة إلا بسمو أتباعها وانتصارهم، وأتباعها اليوم شذر مذر، ثم إن حديث المؤلف عن انهيار الغرب كان عن واقع الغربيين، وفي الصورة المقابلة تحدث عن المبادئ والفكرة، فهذه المقابلة غير متكافئة، ثم إن الكثير يتحدث عن موت الغرب من أكثر من قرنين، والغرب قائم وما زال إذا تكلم أسمع وإذا ضرب أوجع، وما زال المسلمون في تخلف وصراع وتمزق وتشتت.
د.صلاح عبدالكريم: لقد فشل الغرب في التعامل مع المسلمين، ولذلك الإسلام هو الآيديولوجية المتماسكة الوحيدة الباقية أمام العلمانية الشاملة التي يقوم الغرب بنشرها في العالم كله، المسلمون ثبت أنهم أعصياء على الانقياد للمنظومة الغربية، ولذلك لم تستطع المادية الغربية العلمانية أن تعيد تشكيلهم، وفي هذا صمود وانتصار، ولذلك يتصور المتداخل أن الغرب قد يلجأ إلى الحل الشامل النهائي مع الإسلام، وسيفشل بإذن الله، كل المحاولات تمت ضد الإسلام قاصدة تحويله إلى دين متحكم فيه وفقاً للطبعة المسيحية، ولكنهم لم ينجحوا في ذلك، وأكبر نجاح حققوه متعلق بالتشيع، وهو يقترب من المسيحية بوصفه مؤسسة حاكمة لأتباعها ولكن على غير هدى، أما الفرد المسلم بالرغم من كل محاولات التدجين التي قام بها الغرب إلا أنه لم ينجح في ذلك، وتساءل المتداخل عن معنى التدجين: فقال: معناه أن يكون داروينياً مع الأضعف وبراغماتياً مستسلماً مع الأقوى، ولا شك أن فشلهم في ذلك يعد نوعاً من الانتصار.
أ.عادل راشد: تعقيباً على كلام الدكتور وصفي يرى أنه ليس بالضرورة أن يكون انهزام الأتباع انهزاماً للفكرة أو انتصارها، بل بالعكس إذ ثبت في التاريخ الإسلامي أن الغالب دخل في دين المغلوب لانتصار الفكرة مع انهزام الأتباع، فالتتار مثلاً دخلوا الإسلام وأصبحوا حماته، وحكاية أن الفكرة منتصرة من بداية نزولها بحاجة إلى مراجعة، فعنصر الزمن كان فاعلاً في الأمر، كلما امتد الزمن تنتشر الفكرة ويدور الحديث حولها، وبالتالي عناصر المنافسة عند الفكرة الإسلامية قائمة وتنتشر، فهي ليست منتصرة من لحظة نزولها.
وفي سياق تعليقه على كلام الدكتور السلومي الذي ذكر أن الصراع قادم، يرى المتداخل أن الصراع قائم؛ ذلك لأنهم يحيلون عناصر المنافسة إلى عناصر مصارعة، ويديرون الحرب، فبدلاً من الحرب بالأصالة أصبحت الحرب بالوكالة، وبالتالي استخدموا الذين يتلبسون بأسماء إسلامية لإحالة عناصر المنافسة إلى عناصر صراع.
د.محمد خير موسى: عدة نقاط أثارها المتداخل تعليقاً على عرض الدكتور السلومي:
– لا ينبغي أن يستحكم في الأمة الكلام المريح الذي قد يبعث على شيء من الوهم، فالمسلمون بحاجة إلى أن يقفوا على الحقائق المرة، فالقول بإن الفكرة منتصرة رغم هزيمة الأتباع هذا من التخدير.
– وصف الدكتور السلومي فكرة الحرية بإنها فكرة معبودة عند الغرب، والحقيقة أن الحرية ليست معبودة عند الغرب، الحرية هي قيمة أفرزتها الليبرالية، والأصل أن يكون لدى المسلمين قيمة تواجهها وتنافسها وهي قيمة العدل، ولكن للأسف كما يرى المتداخل حتى في الخطاب الإسلامي اليوم وبسبب خطاب الهزيمة المسلمون مضطرون أن يأتوا إلى قيمة الحرية في سياق التأصيل واعتبارها قيمة عليا.
– فكرة أن النصر أو القيمة الإسلامية موجودة في كتب التراث، ما قيمة ذلك؟ إذا كان هناك تراث إسلامي ملئ بالأفكار وليس هناك من ينقب عنه ويخرجه.
– ما قيمة وجود الفكرة الإسلامية المنتصرة والمسلمون غير قادرين على تحويلها إلى مشروع إسلامي.
عندما يتحدث المسلمون عن أن التشريع الإسلامي صالح لكل زمان ومكان، الكل مقر بذلك، ولكن آخر ما وضع من تشريعات كان مجلة الأحكام العدلية، فأين التشريعات الجديدة؟!
– المتداخل اتفق مع فكرة أن الإرهاب ردة فعل للاستبداد السياسي، ولكن هو ليس ردة فعل للاستبداد السياسي القائم فقط، بل له امتداد تاريخي، الإرهاب يجب أن يُبحث بمنطقه الفكري، وليس بمنطقه الواقعي، ذلك أن الإرهاب جزء كبير منه هو ردة فعل ونتاج الموروث الذي أنتح في عصر الاستبداد السياسي السابق، هذه يحتاج إلى منهجية تعامل مع الموروث.
– الغرب يريد أن يبقي العالم السني بلا مشروع ويريد لإيران ذلك أيضاً، ولكن إيران لها مشروع، ومشروعها منافس، بينما العالم السني أداة مستخدمة للتنافس بين المشاريع القائمة.
– فكرة أن الإسلاموفوبيا تعد علامة انتصار، رآها المتداخل كلاماً غريباً، فالإسلام ينتصر كلما اقترب الناس منه، والإشكال اليوم عند الغرب في علاقته مع المسلمين ليس فقط في الأتباع وأن الفكرة تكتسح، بل الفكرة عنده كذلك فيها إشكال، المسلم مثلاً لا يستطيع حينما يظهر في قناة أوربية أن ينتقد ظاهرة الشذوذ، ولهذا المسلم اليوم عنده مشكلة عدم القدرة على التحدث عن فكرته وإظهارها، بل وإشكالية أخرى وهي موجودة عند كثير من الإسلاميين أنهم يجاملون الغرب على حساب فكرتهم.
د.سيف الدين عبدالفتاح: النبي صلى الله عليه وسلم حين حمله للرسالة كان هناك توجيه بالمهمات الأساسية التي يقوم بها، ونحن يلزم أن نقتدي ونتأسى بهذه المهمات فنحملها، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا . وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا﴾[الأحزاب: آية 45-46]، والشهود هو أمر يتعلق بعالم الواقع الذي نعيش فيه، وهذه الخماسية التي تتعلق بتلك الرسالة إنما تحدد الوظائف التأسيسية التي يجب أن نقوم عليها بميزان، ذلك أن البعض يتحدث عن المستقبل ليهرب إليه، ويتحدث عن الكليات ليهرب إليها ويتدثر بها، ولا يتحدث عن أمور جزئية ربما يكون لها ما لها في عقل المسلم ويجب أن يهتم بها.
ومن هنا يلزم التأكيد على مسألة الشهادة والبشارة والنذارة والدعوة وكذلك الثمرة التي تتعلق بعملية التنوير الكبرى والوعي التي تتعلق بالسراج المنير، ولكن في حقيقة الأمر أن التحدث عن البشارة من دون معنى الشهادة، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى اتكال وتواكل، كما أن التحدث عن النذارة من غير استحضار عالم الشهود والشهادة والواقع، يجعل الناس في حالة يأس وإحباط، وهنا فإن مسألة الدعوة الجامعة ما بين الشهود والبشارة والنذارة هي التي تؤدي إلى ذلك الوعي المنير.
وقد اقترح المتداخل على المؤلف تكملةً لهذا الكتاب، ذلك أن من المهم وكما أثنى البعض مؤيداً فكرة التفاؤل والأمل، كان لا بد أن تكون هذه الفكرة مشفوعة بصناعة العمل، وأن صناعة العمل لا بد وأن تستثمر خمائر الصحة واعتبارات الصلاحية وتصلها بأسباب الفاعلية، ومن هنا يلزم التأكيد على ثلاثة عناصر وينبغي استحضارها من أجل اكتمال الخطاب، وهي:
-الأمر الأول الحديث عن الصحة (صحة الفكرة وقدرتها الفاعلة والتي تستقل عن تابعيها وعن أحوالهم).
-والأمر الثاني الذي أكد عليه مالك بن نبي مسألة الصلاحية، وهي عمل وملاءمة وفهم للواقع وقدرة على التعامل معه بين استراتيجية وتكتيك، ووسائل وأدوات، وآليات وغايات، وعلاقات وتحالفات وغيرها.
-والأمر الثالث هو الفاعلية، وهنا ينبغي تحويل فكرة صناعة الأمل التي انتهى إليها المؤلف إلى باب آخر وهو باب: كيف يمكن أن يُشْفع هذا الأمل بخطة عمل، وأن تشفع خطة العمل بخريطة فاعلية تتخذ من الأسباب التي يمكن أن تنقل عالم المسلمين من عالم الإمكانية إلى عالم التمكين.
د.محمد السلومي: العالم الإسلامي (السني) بحاجة إلى مشروع؛ لأنه مع الأسف ما عاد المسلمون يفكرون بمشروع النهوض، بل تفكيرهم انصب حول مشروع الحماية من حرب الوكلاء، ذلك أن الغرب اشتغل بنوعين من الحروب الأولى الحرب بالوكالة، والثانية ما أسماها البعض بحرب الجيل الرابع، وهي أن تحارب نفسك ودينك وقيمك وشعبك، وهذه حروب لا يخسر فيها الغرب، وقد أبدى المؤلف اتفاقه مع فكرة أن الكتاب بحاجة إلى تكملة، منبهاً إلى أن الكتاب أشار من خلال عناوين عريضة إلى مشروع نهضة الأمة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يواجه هذا الصراع بالفكرة وانتصارها فقط، بل لا بد من العمل الجاد والمثمر قال تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾[التوبة: آية 105]، والفكرة بحد ذاتها حينما تنتصر فهذا لا يعني بأي حال من الأحوال جعلها سبباً للقعود.
ولكن ينبغي التنبيه أيضاً إلى أن الكتاب ليس هدفه صناعة مشروع، بل هو كتاب معني بمرحلة التشخيص للواقع، بحيث يُتعاطى معه بصناعة مشروع، ولكن بعد الاقتناع بأن الغرب مصارع وليس منافساً، وهذه هي رسالة الكتاب، ولا ينبغي بحسب المؤلف مبدياً اتفاقه مع بعض المتداخلين أن يكون الحديث عن انتصار الفكرة مقعداً وعائقاً للأمة عن العمل أو صناعة مشروعها، هذه قضية لا نزاع فيها ولا خلاف، المسلمون في أحد والقرآن ينزل ببيان خطئهم بسبب مخالفة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[آل عمران: آية 165]، والسبب والخطورة من أنفسنا بأمرين: الأول تخلينا وضعفنا وانهزامنا، والثاني حملات التشويه السياسي والفكري الموجهة إلى ديننا، وهذا لا يمنع أبناء أمتنا من الكتابة من أجل إنجاح مشروعهم.
أ.إسلام الغمري: الإشارة التي يلزم التنبيه عليها في ظنه عند نقاش هذا الموضوع متعلقة بنقطة الضعف الرئيسة التي يعاني منها العالم الإسلامي السني، والسؤال الذي يطرح في هذا الإطار: هل يمكن للأمة الإسلامية أن تنتهي أو تندثر، أن تكون خلية عن كثير من عوامل قوتها وقدرتها؟ والجواب بالطبع: لا يمكن لها أن تنتهي أو تندثر؛ لأنها تمتلك كثيراً من مقومات وعوامل القوة، ذلك أن الأمة قائمة من حيث مقوماتها على عوامل محركة لفاعليتها من أهمها منظومتها العقيدية والقيمية، فضلاً عن مقوماتها وثرواتها المادية، ولكن الضعف يكمن في فقدان قوة تحمي هذا الحق، فالأمة فاقدة للدولة القوية الجامعة التي تستطيع أن توظف هذا المقومات في سياق التفعيل والتشغيل، فتحقق الأمة ذاتها وحضورها، ولا شك أن فقدان هذه القوة أسهم إلى حد كبير في هذه الغثائية التي تعيشها أمتنا اليوم، وعليه يكون السؤال الجدير بالإجابة عليه في هذا السياق: ما هو المخرج من هذه الغثائية؟ وما هو المطلوب منا في سبيل تحقيق ذلك؟
د.هشام برغش: الفكرة الإسلامية في المراحل السابقة كان حضورها فاعلاً في البنية المجتمعية على مستوى النخب وعلى مستوى العامة، ولكنها في المرحلة الحالية ونتيجة للانتكاسات التي حدثت مع ثورات الربيع العربي والتجارب التي أصابها الإخفاق والفشل مما هو متعلق بالحركات الإسلامية فقدت الفكرة كثيراً من زخمها وقوتها لدى العامة، وساعد في ذلك بشكل كبير غياب المرجعية الحقيقية التي يمكن أن تكون عامل جمع وجذب، فكيف يمكن الجمع بين خفوت الفكرة وانحسارها وبين ما طرحه المؤلف مما تعلق بانتصار الفكرة؟
د.محمد السلومي: ارتدادات الربيع العربي تعد أمراً طبيعياً، فمعظم الثورات أصابها شيء من ذلك، وفيما يتعلق بالجانب الفكري أو الثقافي عند بعض الشباب أو ما يمكن تسميته بالزعزعة الفكرية واهتزاز القناعة بالإسلام، فهذا في حقيقته أصاب البعض، وبقي البعض الآخر، فالكثير لا زال مؤمناً بالفكرة يتفاعل معها ويدعو إليها ويدافع عنها، كما أنه من الضروري أن يُضمن تأصيلنا وكلامنا في مشروع النهوض السؤال الآتي: كيف تعالج هذه الارتدادات الفكرية أو الثقافية، وكيف يعالج هذا النكوص، وفي سياقه أيضاً تعالج ظاهرة النفاق التي أضحى لها انتشار ظاهر بعد الانقلاب على الربيع العربي.
د.محمد هشام راغب: عنوان الكتاب والموضوع يظهر أن هذه الفكرة لا زال حولها خلاف، بمعنى أنها ليست واضحة لجميع المسلمين، بدليل أن هناك من يرى الغرب -حتى من الشرعيين- على أنه منافس، بل ومنافس شريف ومحب للسلام، ولذلك هذه الفكرة التي تبدو للبعض أنها بديهية هي في الحقيقة غائبة عن مجموعات كبيرة سواء على مستوى النخب أو العامة، والآن يراد لها أن تغيب عن الناس، فهذا التشخيص والتأصيل وتثبيته مسألة مهمة جداً، ولا يفترض في كل كتاب أن يعالج جميع المسائل المتعلقة به، ويكفي أن يثير بعضاً منها.
خاتمة:
في إطار فكرة الكتاب والحوار الذي دار حولها يمكن التأكيد على مفاتيح مهمة في رؤية الكاتب، وهي:
– البعد الزمني واستدعاؤه في دراسة العلاقة بين الإسلام والغرب وتأثيره في النظر إلى امتداداتها على مستوى العاقبة والصيرورة في مستقبل هذه العلاقة.
– عملية قلب المفاهيم التي يمارسها الغرب في سياق علاقاته بالعالم الإسلامي، فصناعة الغرب للإرهاب ليست متوارية أو عرية عن القرائن والدلائل التي تثبت إدانته، ومن هنا فتوصيف العالم الإسلامي بالإرهاب وإلصاقه بها يعد إحدى عمليات القلب المفاهيمي.
– في النظر المنهجي بأهمية بل وضرورة استثمار عناصر المنافسة في تغيير مسار العلاقة من دائرة التأثر إلى دائرة التفعيل والتأثير.
– ارتباط فكرة الكتاب بفكرة صدام الحضارات ونهاية التاريخ نقاشاً وجدالاً، وهنا تبرز أهمية هذا الكتاب في هذا السياق في إطار أمرين:
الأول: هو الإمكانات التي يشير إليها الكاتب في نقد الحضارة الغربية ومسالكها المختلفة وتبنيها الصراع.
الثاني: القدرات التي يملكها العالم الإسلامي معنوياً ومادياً للدخول في حالة التنافس مستثمراً نقاط الضعف في الحضارة الغربية.
وأخيراً وبالرغم من تضمن الكتاب وعرضه لجوانب كثيرة ذات قيمة وأهمية، فإن هناك أبعاداً أخرى كانت ستضفي إلى الكتاب قيمة أكبر على شاكلة الكثير من الأفكار والاستدراكات التي تضمنتها المداخلات والحوارات التي أعقبت عرض الكتاب، وستبقى دون شك زوايا النظر للعلاقة بين الإسلام والغرب في مسار مفتوح، بحيث تركز فيها الكتابات على زاوية دون أخرى، وهو أمر يؤكد على ضرورة أن نؤسس لعلم الاستغراب في إطار الوعي بحقيقة التحديات التي تواجه عالم المسلمين.
المصدر: مركز رؤيا للبحوث والدراسات، بتاريخ 5 يناير 2021م، الرابط التالي:
لا توجد تعليقات