تبرعات الأميركيين الخيرية تتخطى حاجز 400 مليار دولار في عام واحد
بلغت تبرعات الأميركيين للأعمال الخيرية في العام الماضي رقماً قياسيا قدره 410.02 مليار دولار، أي عشرة أضعاف ما قدمته المساعدات الحكومية الأميركية (غير العسكرية) لجميع دول العالم في نفس العام، والتي بلغت 41 ملياراً فقط. ومثّلت تبرعات الأفراد نسبة 70 في المائة (285.65 مليار دولار) من إجمالي التبرعات، فيما جاءت النسبة الباقية من المؤسسات والشركات الخاصة. وتصدر المليارديرات والأثرياء قائمة التبرعات، إذ تبرع عددٌ منهم بما بين 50 إلى 90 في المائة من ثرواتهم البالغة مليارات الدولارات.
وكان بيل غيتس، مؤسس شركة «ميكروسوفت» وأثرى أثرياء العالم قد أطلق في عام 2010 أضخم حملة تبرعات في التاريخ، لحث المليارديرات على التبرع بنصف ثرواتهم على الأقل. واستجاب للحملة مباشرة ثاني أغنى رجل في العالم وقتذاك، وارن بافيت صاحب مجموعة «بيركشير» الصناعية، وتبرع بـ99 في المائة من ثروته البالغة 47 مليار دولار، وفق تقديرات مجلة «فوربس» الشهيرة. وشملت الحملة 40 مليارديراً تعهدوا جميعاً بالتبرع بنصف ثرواتهم لجمعيات خيرية. واتسعت موجة التبرعات منذ ذلك الحين وازداد حجم المبالغ الممنوحة سنوياً حتى تخطت في نهاية العام الماضي حاجز الـ400 مليار دولار للمرة الأولى، بزيادة نسبتها 5.2 في المائة عن عام 2016. وفقاً للتقرير السنوي الذي تصدره مؤسسة Giving USA.
ولاحظ تقرير المنظمة أن شباباً مليارديرات في أوائل الثلاثينات من أعمارهم، مثل مارك زوكربيرغ مؤسس «فيسبوك»، انضموا للحملة، بل حل زوكربيرغ في المرتبة الثانية بعد غيتس على قائمة أكبر المتبرعين في عام 2017 بمبلغ ملياري دولار، (غيتس 4.8 مليار دولار)، ووعد بالتبرع بـ99 في المائة من ثروته في المستقبل. وقرر جيف بيزوس، الرئيس التنفيذي لشركة «أمازون»، التبرع هذا العام بمبلغ ملياري دولار لصندوق خيري أسسه بهدف مساعدة المشردين وإنشاء شبكة جديدة من المدارس. وكان بيزوس يواجه انتقادات لعدم المشاركة بقدر كافٍ في الأعمال الخيرية. وقد ساعد في نمو ظاهرة التبرع السخي اهتمام الإعلام بها، إذ أصبح الملياردير البخيل يتلقى تصنيفاً وتقديراً أقل درجة من نظرائه الكرماء. كما أشار التقرير إلى أن ثقل التبرعات انتقل من حي المال في «وول ستريت» إلى وادي «السيلكون» حيث توجد كبرى شركات التكنولوجيا. وأصبح كبار المتبرعين، منذ حملة بيل غيتس، يأتون من بين الأسماء الكبرى في قطاع التكنولوجيا بعدما كانوا تاريخياً يأتون من أثرياء المؤسسات المالية في بورصة «وول ستريت».
وتجدر الإشارة إلى أن مفهوم الكرم الذي صاحب الظاهرة الجديدة يختلف عن المفهوم القديم. فالكرم الجديد (الذي يُسمى Philanthropy) يختلف عن الكرم التقليدي (Charity) في كون صاحبه لا يتبرع بصدقة للمحتاجين، بل يتبرع لمنظمات تسعى لحل جذور المشكلة وليس عوارضها – على سبيل المثال، دعم منظمة لتعليم أبناء الفقراء بدلاً من منح أسرهم صدقة، أو دعم كليات الطب والتمريض في بلدٍ ما بدلاً من إرسال العقاقير إليه. وما يؤكد هذا المفهوم أن نسبة التبرعات التي تُمنح مباشرة لأفراد، بدلاً عن جمعيات خيرية، تبلغ اثنين في المائة فقط من إجمالي التبرعات، بل حتى هذه النسبة الضئيلة انخفضت في العام الماضي بمعدل 20.7 في المائة مقارنة بعام 2016.
ويرى كثيرٌ من الاقتصاديين أن تطور ما يسمونه «الكرم الذكي» سيصبح صناعة كاملة مع اتساع سلطة وثروة القطاع الخاص حول العالم. وبالفعل، فقد أعلن الملياردير الصيني جاك ما، مؤسس شركة «علي بابا»، عزمه التقاعد من منصبه العام المقبل لكي يتفرغ للعمل الخيري والتعليم، وهي مهنته القديمة قبل أن يصبح رجل أعمال في عام 1999 عندما أسس شركته من داخل شقته. ويبلغ ترتيب مؤسس «علي بابا» في قائمة «بلومبرغ» لأثرياء العالم في الوقت الحالي المركز 19 بثروة تُقدر بـ39.4 مليار دولار.
غير أن المنظمات الخيرية لم تكتسب بعد الخبرة الإدارية والكفاءة التي اكتسبها القطاع الخاص.
المصدر: الشرق الأوسط، العدد 14537، بتاريخ 6 محرم 1440هـ (16 سبتمبر 2018م)، الرابط التالي: https://bit.ly/2pcAL0x
لا توجد تعليقات